آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-09:01م

الأغنية اليمنية هوية شعب عريق لا تقبل الموت أو الإندثار

الأربعاء - 05 يوليه 2023 - الساعة 07:56 م

علوي الوازعي
بقلم: علوي الوازعي
- ارشيف الكاتب


الأغنية لو كانت تعني الرفلة والبطرة واللهو والمجون والعيش في عالم أخر غير واقعي بعيداً عن هموم الناس ما كنت أنا من ضمن هؤلاء، ففي واقعي من الأسى والهموم والمشاغل مايجعلني أنسى الأغنية وحروفها .

لو كانت كذلك كماقد يفهمها البعض لظاهرتها أو طلقتها طلاقا لارجعة فيه. 
لكنها الأغنية :
الأغنية روح البلاد، وبلاد بلا أغنية بلاد بلا روح. 
الأغنية عصب الروح وروح بلا عصب ترهل وموت. 
الأغنية نافذة الحياة والحياة بلا نافذة سجن كئيب وتلاشي. 
الأغنية ضوء وبلا ضوء لن ترى الأشياء وتتحسس حدود حلمك.

2
حين تغني تشعر أن ثمت ساقية جرت بها الأغنية في أعماقك القاحلة؛ فنمت حولها فراديس فبالأغنية تطرب وتنتعش وتنفض عن روحك جليد العمر وتعود لتبتهج وتشرق من جديد لتواصل الحياة برصيد وافر من الصبر  والحوافز وترقص وأن ترقص يعني أنك تحلق بعيداً عن دخاخين إحباطاتك ،كما وهمومك وخيباتك تتطاير بعيداً عنك.

3

الأغنية وجود وبلا أغنية حياتك مجموعة من الهراء والهمود . 
مازال البعض يصر أن الأغاني عبث ومجون ..يجب أن يتوقف .

أحاول أن اتخيل وجه البسيطة بلا أغاني كيف ستكون  ويقفز برأسي صورة رأس  أصلع وجدب ،وقحط ،وريح وغبار ،وجمود يستوطن مفاصل الحياة ويتمظهر في هيئة تثاؤب يخرج من بين شدقيها..

4
كم هي الحياة باردة بلا أغنية، ولك أن تتخيل عرس بلا زفة أيوب وبلا أغنية... مجرد فرح بفك أدرد والعرس غضروف غير قابل للبلع تلوكه روحك بلا جدوى ..جوعك الأبدي للفرح يجبرك  أن تحتفظ به أكبر قدر ممكن وإستحالة هضمه تصيبك بالإختناق.

و بلا صوت  أبو بكر مثلا  هل كنا سنعرف لذة التأمل في السماء ومهامسة النجوم أو هل كنا سنكتشف فتنة القمر ..؟

وصباحاتنا بدون لوعة عبدالباسط عبسي ذلك الأداء الذي يدبسك بتفاصيل الأرض ويعجنك بطينها  هل كنا سنقدر على مواجهة غربة الروح التي أناخت في صميمنا بدونها، وهل كنا سننجو من الشعور بالإنحسار 
بل هل كان سيكون لرفرفات العلم على سارية البلاد معنى دون أغاني ايوب الوطنية ،أغاني أيوب التي يكفي، لسماعها ان تهز جذوع الحماسة فيك  وتمنحك بسالة الأسود...؟!
5
لا فتوى مهما كانت  قادرة أن تقنعني  بكب أغنية بحجم  "ياحب يا أرضي أو" نفسي الضمآنة من همس الشروق " في مزبلة التاريخ بل من يسخى مثلا بدس أغنية نشوان للمرشدي في التراب ووأد  "ومغرد بوادي الدور ""ويانسيم السحر".. في لحد النسيان

وكيف لقلب أن يقبل ب"ومكحل عيوني بالسهر". أو "ياربة الصوت الرخيم" أن تدخل في طي الأكفان كيف؟ 
6
والقات القات هل كان سيكون له ذوق وطعم بلا أغنية تراثية وما أحلى حين تستغل غياب الجميع عن البيت وتفتح اغنية شرح لحجية لفيصل علوي ورقص الرقص مع ذاتك وجنونك لتزيل عن روحك طحالب الملل التي "تحشلكت" بك.

أغنية شرح لفيصل كفيلة أن تجعلك تتصالح  مع نفسك وتشعر بإمتلاءك،ثم وأنت الذي لا تملك حظاً من الوسامة تشعر بأنك مستعد أن تدخل، مسابقة ملك جمال وتثق بتحقيق السبق ليس لأن الأغنية غيرت ملامحك الخارجية بل لأن الأغنية قد فاضت بجمال روحك الداخلي على ملامح وجهك الخارجية فجعلتك تشعر بأنك أوسم من النبي يوسف عليه السلام .

6

كم مهاجر هجر حبيبته وأسرته وربوعه وأعادته إلى أحضانها أغنية..؟ 
وكم مخاصم أقلع عن الخصومة وعاد مسامحاً أو طالباً  للسموحة بتحريض أغنية ..؟

وأنا أنا..كم مرة شعرت بالكآبة ووقفت على حافة الحياة وأعادتني أغنية إلى قلبها باسماً..!

كم مرة  غرقت في الحزن وانتزعتني منه أغنية.. !

وكم مرة وقعت "متحكولا" بالضجر والطفش ونهضت بي على قدمي أغنية. ..!

وكم مرة رممت الأغنية روحي وكم مرة نادمت الأغاني في الهزيع الأخير من الليل فأحببت الله بقلوب الستة مليار بني أدم وشعرت كم أنه الله قريب مني ويوشك أن يربت على كتفي ويطبط على صدري ويطلقني من قيود الجسد المهدود،. !
7
فالأغنية طاقة إيجابية  صنو الإيمان بل هي الوجه الآخر له.. بها تتجدد وبها تلمس نبض الحياة بمعناها العميق والبعيد. 
8
الخلاصة :
مئات ومئات الأغاني اليمنية هن فلذات روح البلاد وعناقيد أشواقها وعصارة أمالها والامها لعصور وعصور. 
أجزم لو كان ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يمنيا واصغى قلبه مثلا لأغنية "املؤوا الدنيا إبتساما" "وأمي اليمن "لغير رأيه في تفسير "لهو الحديث "يامن تتحججون بلهو الحديث والأغنية أبدا ماكانت لهو حديث بل روح وضوء وعطر وعلاج فخذوا قبضة من أثرها.

لوكان إبن عباس لكن إبن عباس كان قرشياً محاطاً بالصحراء القاحلة التي جعلت روحه على النقيض للموسيقا هذه القادمة من رحم مدن الحضارة مثل حضارة سبأ وكسرى وقيصر الممتدة في قلب الجزيرة العربية .

وفيما بعد صار أحفاده ملوكاً أجتمعت لهم أمور الدنيا والدين وتخلصت نفوسهم من البداوة فكانوا رعاة للأغنية تنفسوها  كما نتنفس نحن الأكسجين  وهم القادة الفاتحين  ولولا رعايتهم للأغنية ماعرفت الدنيا أسطورتي الأغنية حينها واللذان مازالا إلى الآن رموزا لهاهما :زرياب والموصلي.

وبلغت الحضارة العربية بالأغنية أوج إكتمالاتها في الشام والعراق وبلاد الوندال حيث كان اليمني معبد حكاية الدنيا على شفاه أغنية في العصر الذهبي للأمة عصر بني أمية الأفذاذ..!
وفي منشور حول ذات الموضوع للقيل خالد الرويشان يعرض ثمثالين لإمرأتين يمنيتين  تعزفان بألات موسيقية، عمر التمثالين 3000 سنة مما يدل ان الموسيقا كانت تحضر بكثافة في حضارتنا اليمنية القديمة وصار من المسلمات بقاء الأغنية اليمنية كهوية لا تقبل الموت أو الإندثار ولا نقبل نحن عنها فكاكاً تماما مثل توأم سيامي لا يقبل الفصل.

#يوم الأغنية #اليمنية