آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-01:27م

حضرموت..جدلية الزمن الاجتماعي والزمن الفيزيائي

السبت - 01 يوليه 2023 - الساعة 06:02 م

مصطفى محمود
بقلم: مصطفى محمود
- ارشيف الكاتب


(من الواضح ان مجلس حضرموت الوطني يجسد  الزمن الاجتماعي.. بينما المجلس الانتقالي الجنوبي يجسد  الزمن الفيزيائي)

ما شهده  المجلس الانتقالي الجنوبي  ومايقومون به انصاره من حملات اعلاميه مضاده لمجلس حضرموت الوطني والحكم الذاتي ، هو اجترار للزمن الفيزيائي (الكمي) من أجل البقاء فحسب. بينما يجسد مجلس حضرموت الوطني الزمن الاجتماعي (النوعي) المثقل بعناصر التطور والتغيير التي قادت إلى أفول شرعية سلطات الامر الواقع  برمتها، فقد ابتدأ حراكة منذ  سنوات مضت حينما باشر المجتمع الحضرمي  بتكوين تصورات ذهنية جديدة عن شرعية أخرى بديلة  غير محددة الملامح، انبثقت من ضرورات إعادة الهويه الحضرميه واستقلال حضرموت بإدارة شأنها المحلي و توزيع الثروة والكرامة اللذين اختل ميزانهما على نحو كارثي في اليمن

وحينما نتحدث عن  احتضار المجلس الانتقالي الجنوبي وهو حالياَ في حالة موت سريري، فذلك لا يعني زواله  الفوري، إذ أن البنية السياسية الهشه والمتهرئة لجماعات ماقبل الدوله  كثيراً ما تقاوم اندثارها الذاتي بفعل تخبطاتها العقيمة التي قد توفر لها زمناً فيزيائياً إضافياً للبقاء... وخصوصا  وان  الزمن الاجتماعي في اليمن  يحبو بطيئاً جداً بالمقايسة مع الزمن الفيزيائي الموازي له.. ودون الإقرار بهذه الحقيقة البارزة وتمييزها إدراكياً -مع عدم الخوض الآن في أسبابها الجذرية المتعلقة بالاستبداد السياسي بشقيه الجنوبي والشمالي  المنتجينِ للوعي الزائف المتين عبر عقد من الزمن ، ستنطلق حضرموت بمفردها نحو المستقبل وقد توفرة لديها  عناصر سيادتها  وشروط الاعتراف بها دوليا كدوله مستقله ذات سياده

ولذلك نجد أن وهماً رغبياً صار يغلف رؤية البعض  من الحضارم المتطلعين لإعادة حضرموت الى ماكانت عليه. مفاده أن تظاهرة هنا أو اعتصاماً جماهيرياً او ضعط اعلامي في المساحات تويتر  هناك  يستطيعون  أن يعيدوا حضرموت الى ماقبل ولادة المجلس الحضرمي الوطني والحكم الذاتي خلال أيام أو أسابيع او اشهر قلائل (أي زمن فيزيائي). إنهم بذلك يتحاشون - ربما عن غير قصد- التعاملَ النفسي الصعب مع حقيقة أن التغيير التقدمي البنّاء تصنعه ساعة الزمن الاجتماعي المتريث والمتراكم اجتماعياً ونفسياً، على نحو تدرجي لا يمت بصلة إلى ساعة الزمن الفيزيائي الروتيني والثابت الإيقاع منذ عقود السنين.

ومن جهة أخرى، إذا كان الزمن الاجتماعي الحضرمي يعمل بإصرار ومثابرة لصالح العقلانية الحضرميه ، فإنه ما برح يصطدم باستعصاء جماعات ماقبل الدوله  على الإصلاح ذاتياً ودخولها في مرحلة الاحتضار السريري متوسط الامد نسبيا ، الأمر الذي قد يفرز إحباطاً أو جزعاً أو تسرعاً – غير ضروريين- لدى أفراد أو فئات اجتماعية حضرميه معينة متلهفة للتغيير.

فالمجلس الانتقالي  ما برح يبدي إنكاراً صلباً وعجزاً مأساوياً عن إنقاذ نفسه على الأقل، إذ يبدو منهمك في إسقاط الذنب على الآخر – بوصفه متآمراً مندساً-، وفي اجترار تهويمات وسواسية بحثاً عن حلول جرى تداولها واستهلاكها حد العطب خلال أكثر من عقد من الزمن. فكل جماعات ماقبل الدوله  مغلقة البنية عبر التاريخ كانت سلطات لا عقلانية، لا تؤمن بغائيات السلوك الاجتماعي وقوانينيته، ولذا تحرص دوماً على تطبيق سيناريو انتحارها بإصرار عجيب.

لقد انقطعت الصلة التفاعلية التأثيرية والتأثرية بين المجلس الانتقالي والمجتمع الحضرمي إذ يبدو كل منهما مستغرقاً في دينامياته الوظيفية الخاصة وكأن الآخر غير موجود البتة. وتوحي حالة الإنكار النفسي والخدر العقلي هذه، بأننا أمام مسلسل  خلال الفترة القادمة يتضمن "إهانات" جماهير حضرموت  المتنوعة والمستمرة لـ"رمزانية" المجلس الانتقالي  الغارق في الوهم والهشاشة..