لا شك أن ّ العملة الوطنية في أيّ بلد تحمل الكثير من الرمزيات التي تُعبر عن أصالة وحضارة الوطن ناهيك عن قيمتها المالية وسعرها ؛ فهي معيار ٌ قويٌ في تحديد رأس الدولة وصعودها على سلم الدول ؛ فهي أيضاً رمزاً في وجود الدولة وحضورها وجزءاً لا غنى عنها في اقتصادها .
ومن المنطلق تحرص الحكومات في جميع الدول على اصدار القوانين الخشنة للحفاظ على العملة الوطنية باعتبارها المؤسسة الذي يصدرها البنك المركزي وهي مؤسسة مستقلة وغير ربحية ولا دخل للحكومة التدخل بشؤونها لكونها عمود الاقتصاد العام في الدولة ، إن ّ واقع العملة اليمنية حيرت الكثير من اليمنيين وعجز المختصين من تفسيرها لوقوعها بين أمرين ثنين ، الإختلاف والتناقض بوجود بنكين مركزيين موزعين بين عاصمتين الدولة صنعاء وعدن وهما ليس مُوحَدين وكلاهما يحملان نفس الاسم ويصدران عملتان مختلفة القيمة والشكلة ، وهُنا نطرح السؤال حول ما يتعلق بالقوانين والمعايير المتبعة في كل بنك هل هي تحمل وجه التشابه وهل هناك أسباب منطقية يجب التسليط عليها ؟
البنك المركزي في صنعاء هو المؤسسة الفعلية للدولة سابقاً ولديه البنية التحتية الأقوى ويمتلك جهازاً رقابياً قوي يفتقر إليه الآخر بمثله عشرات المرات ، وإنّ العملة الذي يصدرها البنك المركزي في صنعاء حافظ على استقرارها إلى ذلك العقوبات التي فرضتها الشرعية على البنك في ما يخص المنع من طباعة عملة جديدة عزز الكثير من الحفاظ عليها ؛ فطباعة العملة بحاجة إلى موجودات يُقابلها بالبنك وإلا سوف تأخذ قيمتها من العملة الموجودة وذلك مما ساعد على محدودية الكتلة النقدية بالسوق المحلي في مناطق سيطرة الحوثي أما حال البنك المركزي في عدن وما يحتويه من فراغ رقابي وعشوائية جعله يطبع العملة الجديدة بشكل مستمر دون المراعاة للموجودات في البنك من العملات الأجنبية وغيرها .. بمعنى آخر أن الكتلة النقدية الذي يصدرها البنك المركزي في عدن مستمرة في التمدد مما سبب تضخم كبير وهذا التضخم لا يتم معالجته إذا ما غادر البنك في استعمال السياسة النقدية الإنكماشية .
ومما زاد من حدة المشكلة خصوصا أن ّ اليمن يُعاني الكثير من الأزمات منها توقف صادرات النفط التي تعتبر الشريان الوحيد الذي يعزز البنك المركزي بالعملة الأجنبية ، فبنك عدن الذي يكون تحت مشيئة حكومة الشرعية يفتقر بلا ريب إلى الكفاءة في الجهاز الرقابي وكذلك إلى محدودية العمل مما سبب الكثير من الإشكاليات ؛ فالنظام المصرفي المحلي الذي أصبحت الكثير من المؤسسات المالية والشركات الصرافية تستظل تحت ظله تفتقر إلى أدنى المعايير المتبعة في النظام المصرفي وكذلك إلى تخلي البنك المركزي مسؤولية تحديد سعر الصرف وترك الأمر لغيره من المؤسسات والشركات الصرافية بناء على العرض والطلب أدخل العملة المحلية في عدمية استقرارها وثبوتها .
من السهل أيضاً في ظل هذه الظروف توفر كل الأسباب التي تؤدي إلى انهيار العملة والاقتصاد بشكل عام منها غسيل الأموال وتهريب العملات الأجنبية واحتكارها ، جعل البنك المركزي في عدن باسطاً يديه لطلب المساعدات من الخارج وإصدار قوانين وقائية بالسوق المحلي ؛ فالمساعدات والودائع التي تقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ما هي إلا حلول مؤقتة للبنك المركزي في عدن الغرض منها الحد من زيادة تدهور العملة والحفاظ على استمرار الواردات الخارجية إلى البلد وتلبية احتياجات السوق المحلي ويبقى السؤال مجهولا ً عن مصير العملة اليمنية وعن مستقبلها .. ؟