آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:13ص

نبيل القعيطي.. هل كان صحفيا ام ناشطا سياسيا

الأحد - 04 يونيو 2023 - الساعة 09:21 ص

خالد عمر بن مخاشن
بقلم: خالد عمر بن مخاشن
- ارشيف الكاتب


بادرني أحد الزملاء الاعلامين خارج الوطن، عندما اغتيل الصحفي والمصور الجنوبي نبيل القعيطي، بأن الأخ نبيل كان ناشطا سياسيا أكثر منه إعلامي وصحفي، فكان هذا التوضيح.

الأخ العزيز نبيل القعيطي كان صحفيا ومصور صحفي باقتدار، أما من حيث أن الأخ نبيل قد أصبح ناشطاً سياسيا، ولم يعد ناقلاً للخبر، بالمعنى المهني أي لم يعد كونه صحفياً فهذه وجهة نظر لقائلها الاحترام.

نحن في العمل الإعلامي لا نستطيع الفصل بين الواقع والمطلوب فمهنة الإعلام من المهن الشائكة المتداخلة.

الأخ نبيل في منطقة مختلفة عن منطقة زميلنا الإعلامي، فهناك إعلام حزبي وقومي وإعلام قضايا، وهذا معروف للدارس في كليات الإعلام، وقد نصنف نبيل في هذا الإتجاه.

فالشباب عندنا في حضرموت والجنوب عامة، لديهم قضية ينظرون لعدالتها ويسعون جاهدين إيصال هذا المعتقد للآخرين.

نبيل مصور صحفي فوتوغرافي بالدرجة الأولى، حيث امتهن هذه المهنة باقتدار ومناضلا صحفيا بعد ذلك، فرصد بعدسته معاناة الناس في بلاده في شتى المجالات، ثم التحق بالحراك الجنوبي فيما بعد، وعمل في صحف محلية ووسائل إعلام خارجية، ولديه عضوية نقابة الصحفيين داخلية وخارجية..

وقد أغضب منه الكثير من جميع الاطياف والاتجاهات والأطراف كانت حكومية أو حزبية أو حراكية او انتقالية فيما بعد لبعض تغطياته الصحفية، وقد يكون ذلك نوعا من الحيادية، التي لم يتقبلها منه البعض.

ولكن عمله كمراسل حربي داخل جبهات القتال مع الانتقالي، التبس على البعض كونه صحفي أم ناشط وهذا وارد حدوثه في هذا العمل، كما حصل للكثيرين مثل ارنستو همنقواي عندما غطى الحرب الأهلية الإسبانية بين ذلك الخلط والازدواج في روايته الشهيرة( وداعاً للسلاح ) وروايته( لمن تقرع الأجراس ) ، وكذلك نفس الشئ حدث لجمال الغيطاني عندما كان مراسلا حربيا في حرب الاستنزاف بين ذلك الإختلاف في تصنيف بطل روايته الشهيرة( الغريب ).

لذلك نجد كثيرا من الباحثين والدارسين يؤكدون إلى انه يصعُب على الكاتب او الإعلامي الحياد في القضايا المصيرية حيث لايوجد أى فاصل أو منطقة رمادية في تلك القضايا إما أبيض أو أسود.

نبيل مثل كثيرين من الشباب في عدن والجنوب أصبحت لديهم قناعة بإسترجاع دولتهم، والسعي نحو مستقبل لهم ولأبنائهم، بعيدا عما يفعله الساسة والعسكريين، قد تكون هذه أحلام وردية للبعض، ولكن لا يمنع وجودها، ولقد ذكر ذلك ارنستو جيفارا في كتاباته وغيره الكثير.

لكن يظل نبيل ورفاقه من الشباب الجنوبي، لديهم تلك النظرة وذاك الطموح، فقدموا أنفسهم وأرواحهم لذلك، تاركين أهليهم وذويهم وأعمالهم لتلك اللحظة التاريخية التي يسعون لها ' عودة بلادهم استقلال الجنوب.

المراسل الحربي في جبهات القتال، تأتيه لحظة يفقد فيها أنه صحفي وليس مقاتل، لأن مايشاهده في جبهات القتال، كفيل بتغيير كل شئ، وأنظر إلى تغطيات الحرب في فتنام وحرب الخليج الثانية مثلا من مراسلين CNN وغيرها من الحروب.

أما الحياد الإعلامي، فهو عنصر لا وجود له على الإطلاق في أرض الواقع، عكس ما يدرس في كليات الإعلام والصحافة.

فتجد نبيل في بعض تغريداته او مداخلاته عنيف بعض الشئ، وهذا الشئ وارد حدوثه، لا سيما وهو يعيش معظم يومه متنقلاً بين الجبهات والكوارث، لذلك تظل فكرة الصراع قائمة في ذهنه، وهذا ماحدث له عندما أتيحت له النجاة بعد الحرب في كتابة روايته 'وداعا للسلاح' ورواية ' لمن تقرع الأجراس '..حيث ظهر فيها مقاتلا أكثر من كونه قاصا أو صحفيا..ولكن بعد وقت طويل وضمور ذلك الشعور والمراجعة، أخرج روايته ( العجوز والبحر ) التي تتحدث في مضمونها عن الصراع أيضا ولكن بوجهة نظر أقرب إلى الإنسانية كثيرا، عكس هارمن مليفل الذي ألف روايته الشهيرة( موبي ديك ) حيث تظهر الانفعالات واضحة كثيرا في عمله لكونه بحارا في المقام الأول وصائدا للحيتان، يكابد فيها يوميا أهوال البحر والمحيط للبقاء على قيد الحياة.

أما الأخ نبيل يرحمه الله، مات صغيرا فلم يكن ليسعفه الأجل إلى مابعد انقضاء الحرب، ويطول به العمر حتى يغربل الأحداث التي مرت به فيعيد حساباته فيها، ويخلص إلى نتائج أخرى موازية، مع الفارق بينه وبين الآخرين الذين ذكرناهم، ثم جانب آخر وهو الخبرة الحياتية والعملية المهنية التي يحتاجها شبابنا، إضافةً إلى غياب إدارة التوجيه المعنوي في القوات الجنوبية، لانها حديثة التكوين وقليلة الموارد.

لفتة اغتيل نبيل في عدن بالقرب من منزله ولم يمت في أرض المعركة، ثم سجي جثمانه في المستشفى ولم يلتفت له أحد ولم يشيع عسكريا، وهذا يدل على أنه صحفي وليس ناشطا او مقاتلا.

ولقد أدان أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش مقتل نبيل ( واعتبره مثال مأساوي على المخاطر غير العادية التي يتعرض لها الصحفيين )، ونعاه رئيس الإنتقالي اللواء الزبيدي بأن ( نبيل سيظل رمزا من رموز الوطنية الجنوبية التي يعتز ويفتخر بها شعب الجنوب ).

ولك أن تنظر إلى الصور التى التقطها لنفسه من داخل جبهات القتال والتي تظهر للمشاهد مدى إنسانيته وروحه الخيره وضحكته التى لا تفارقه رغم الألم والمعاناة والمعارك التى عاشها وغطاها.

وكن سعيدا مدى الأيام مبتسما 
             من يخلص الحب يستعذب مآسيه 
فأنت... ماكنت للحزان.. أغنية 
            بل أنت شعر ... وفي الأفراح ألقية