آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:09م

سقوط القيم في معادلة انكسار الشعوب والأمم.

السبت - 03 يونيو 2023 - الساعة 06:50 م

العميد د. / سعيد محمد سيف الفقيه
بقلم: العميد د. / سعيد محمد سيف الفقيه
- ارشيف الكاتب


تمر بعض الامم  والدول والشعوب بانكسارات وهزائم كبرى ، ما تلبث أن تحولها الى عوامل نهوض تنموي وحضاري بارز ، في ظل تعافي قيمها الاخلاقية والمعنوية والروحية، فمثلا  ألمانيا واليابان اللتان تعرضتا لهزيمة ساحقة في الحرب العالمية الثانية، ما لبثتا أن حققت طفرات صناعية كبرى وتقدم تنموي وحضاري شامل بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب.. والسبب برأيي يعود إلى سلامة منظومة القيم الوطنية المبنية على صدق الولاء والانتماء للأمتين  المهزومتين الألمانية واليابانية عسكريا ولكن ليس قيميا..بيد أن القيم الوطنية والقومية ظلت المخزن العميق الذي أستمد منه الشعبان  الالماني والياباني القوة الدافعة للنهوض مجددا وتخطي مأساة وأثار هزيمة الحرب..وأعتقد أنه لا حاجة لاثبات حقيقة التطور الصناعي والتنموي الذي بلغته كل من اليابان وألمانيا في الزمن المعاصر وعلى  الأصعدة كافة ، الاقتصادية ، الثقافية ، العلمية، الاجتماعية،وغيرها من المجالات ، وحتى العسكرية منها ، برغم  القيود المفروضة عليهما  بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الحلفاء المنتصرين في الحرب..
ولعل العبرة المستخلصة من كل ذلك ، هي مدى سقوط منظومة القيم الوطنية والإنسانية ، وحتى  الاخلاقية، في مجتمعنا اليمني في ظل ظروف الحرب التي تشكل مأساة وطنية كبرى لم تشهد اليمن لها مثيل ، ربما  في تاريخها على الاطلاق..وبعيدا عن الأسباب والملابسات والتحديات والتهديدات  والخلفيات السياسية والاستراتيجية التي أوصلت البلاد إلى ذلك ، بكل أبعادها ومستوياتها الاقليمية  والدولية والمحلية..الا أن ما أدى الى سقوط منظومة القيم والاخلاق والسجايا الوطنية التي عرف بها الإنسان اليمني..كالشهامة والكرم ونصرة المظلوم ورفض الظلم واحقاق الحق، وسمو النفس والإباء والتراحم والتكافل ، يعود بطبيعة الحال ربما بدرجة رئيسية للمستوى الاقتصادي المعيشي الصعب الذي وصل اليه الناس  ..والاخطر من كل ذلك برأيي الدور السلبي والضعيف والمغيب عن  المشهد لمنظومة الإعلام والثقافة الوطنية ،برموزها ونخبها ومثقفيها وكتابها الذين أنخرطوا في المشهد السياسي والعسكري الأمني وأصبحوا جزءا منه، بل ومعبرين عن تناقضاته  وتضارب مصالحه وأهدافه..حتى وأن كانت تستهدف مجموعة القيم والاخلاق الوطنية والإنسانية والأسرية ،فأنتشرت ظواهر  اجتماعية دخيلة على مجتمعنا ..كثقافة الحقد والكراهية والبغضاء والحسد المقيت، وتفشي ظاهرة  الجريمة الجنائية والمنظمة ،فضلا عن ظواهر مخيفة كالقتل بدماء باردة والاغتيالات والعنف الأسري  والامراض النفسية والتي سببها الجوع والفقر والعوز وقلة الحيلة وتعاطي المخدرات والصراعات، وغيرها  من الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي حولت قلوب الناس إلى أحجار صلدة جامدة خالية من الرحمة والانسانية،ناهيك عن الوازع الديني والاخلاقي ..
أن الحرب لا محالة سوف تتوقف وسوف يلتقي المتحاربون تحت مظلة الحوار والاتفاق سواء تحت راية الوطن والمصلحة العليا، أو على أسس  قد يرتضيها الفرقاء بعيدا عن أرادة الشعب الذي يدفع الثمن دائما وتبقى تحقيق المصالح والصفقات للفرقاء هي السمة الغالبة في كل صراعات اليمن الماضية  ، وحيث  قد يأتي حل المعضلة الحالية التي طال أمدها وأستفحلت حلقاتها تحت عصا البند السابع والاملاء الدولي والاقليمي.. وقد يكون بعد ذلك  من السهل إعادة البناء والاعمار لما دمرته الحرب على الصعيد المادي..لكن سوف يكون من الصعب إعادة إصلاح منظومة القيم الوطنية الاجتماعية التي تعرضت لكسور ونكسات وانشقاقات عميقة طالت وجدان الامة وعامة الناس ..
وأنما الامم الاخلاق ما بقيت 
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..
واذا أصيب القوم في أخلاقهم...فاقم عليهم مأتما وعويلا..
فهل يساهم حملة الاقلام بتهدئة الخواطر ولملمة الصفوف وتضميد الجراح والحفاظ على ما تبقى من لحمة الوشائج والصلات والروابط الاجتماعية التي تجسدت بين اليمنيين  خلال الأزمنة والعصور التاريخية الماضية ، وبعيدا  عن صراع المصالح وتقلبات السياسة التي لا تعرف في قاموسها كلمة الاخلاق ، وانما فن الممكن المحقق للمصلحة والبرجماتية انطلاقا من ميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة ،حتى وأن كانت هذه الوسيلة فوق الاخلاق وفوق مصالح الناس ،وحتى لو كان تحقيقها على  أنهار من الدماء والضحايا والظلم ودمار الاوطان  وضمير الانسانية.

د. سعيد محمد الفقيه