جاءت هذه المبادرة لتؤسس لسلام مستدام , انحازت فيه انحيازاً كاملاً للشعب اليمني , وليس للقوى السياسية والعسكرية المتحاربة , وقدمت رؤيتها لما يغيث المواطن , وينقذ الوطن , من عصابات الحكم الخائنة للأمانات , الناهبة للثروات , والمعطلة لنهضة الشعب وتقدمه , التي عاثت في بلادنا فساداً وظلما واستبداداً . جاءت هذا المبادرة لتعيد للشعب حقه في حكم نفسه بنفسه , وتقدم صورة لما يريد أن يعيش فيه في بلاده , نريد أن نعيش في مجتمع مدني ديمقراطي ,لا عسكرة للحياة فيه , نريد أن يكون الطريق إلى السلطة والحكم صناديق الاقتراع وليس الانقلابات وأصوات القذائف والرصاص , نريد حاكم لا يستطيع أن يطغى ولا أن يستبد ويتحول إلى دكتاتور إذا وصل للحكم حتى إذا أراد ذلك , لسبب بسيط لأنه نزعت من يديه كثير من الصلاحيات التي تجعل منه طاغية جباراً . فقد وزعنا السلطة إلى مجموعة مؤسسات حكم , لكل مؤسسة قوانينها المنظمة لعملها التي تمنع وتجرم عليها الخضوع له وللفاسدين أمثاله .
لقد قدما في المبادرة صورة لدولة المؤسسات والقانون . فماذا تعني هذه لدولة : دولة القانون : تعني أن الكل سواسية أمام القانون رئيس البلاد والمواطن , والرئيس أجير عن الشعب يؤدي مهام محددة براتب محدد , وإن خرج عنها كان عرضة للمساءلة والتحقيق والمحاكمة, وهما متساويان في الحرية وفي تكافئ الفرص وفي الحقوق وهذا ما يضمنه القانون . كما أن العلاقة بين الناس تقوم على أساس القانون , وليس على أساس القرابة , والثقة , والحزبية أو المذهبية , وغيرها من صور التمييز . ودولة المؤسسات : تعني أن هناك مؤسسات حكم مثلها مثل الحكومة , لها استقلالية عنها , فمثلاً مؤسسة البنك – وهي في المبادرة مؤسسة قائمة بذاتها – لا يستطيع الرئيس أو الحاكم أن يتصرف في أمواله تصرف المالك في ملكه , بل هو أمانة عند القائمين عليه لا يصرفون منه إلا بقانون يقره الشعب كالميزانيات التشغيلية والرواتب وغيرها . وهكذا بقية مؤسسات الدولة . ومن أشكال حكم الشعب : الاستفتاء والانتخابات , ومنها حكم لا مركزي كامل الصلاحيات في عموم البلاد : في المديريات والمحافظات , ينتخب الشعب قيادته ومجلسه المحلي .
هذا ما تقدمه المبادرة , وأهم ما تقدمه أنها عملية , من يقتنع بها يستطيع مباشرة العمل بها , لا ينتظر من كاتبها أن يساعده أو أن يأذن له في العمل بها . بل له أن ينشرها وأن يؤسس التكتلات والجماعات والتحالفات عليها . وله أن يعقد الندوات والمحاضرات , وأن يحملها للقوى السياسية أين ما وجدهم , وللقنوات الدولية والدبلوماسية لا شيء يمنعه , لقد جعل الله القرآن في أيدينا , من يؤمن به يعمل به لا يحتاج إلى سلطة دينية لتأذن له , ولا سادن يباركه ويعمده , وهذا ما يجب أن نقتدي به , وأن نجعل كل مشاريعنا النهضوية عملية فورية , يستطيع من يؤمن بها مباشرة العمل بها فوراً , لا ينتظر أذن من أحدٍ .
هذا كلمتي في هذا الحلقة الأخيرة من السلسة التي تفضلت صحيفة عدن الغد مشكورة بنشرها على صفحاتها , وإذ أتقدم بخالص الشكر والتقدير لرئيس تحريرها , وصاحب الامتياز فيها الأستاذ فتحي بن لزرق أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للأديب والصحفي الشاب المبدع الأستاذ فهد البرشاء على اهتمامه بهذه المبادرة والمسارعة لنشرها , ولكل أعضاء التحرير وطاقمه في الصحيفة التي أصبحت بالفعل منبر للفكر الحر ولصوت الحق , ولمناصرة قضايا الأمة, والتعبير عن معاناة الناس وتطلعاتهم .