آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-08:12م

زيارتي لمدينة الحافة التاريخية بدثينة

السبت - 03 يونيو 2023 - الساعة 11:31 ص

ناصر الوليدي
بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب



 

سبعة أيام قضيتها في دثينة متنقلا بين عدد من مدنها وقراها، في أجواء جميلة ممطرة، والأرض كأنها قطيفة يكسوها العشب والمراعي الخضراء. 
لقيت خلالها عددا من الشخصيات الثقافية والإعلامية والدعاة والقادة والوجهاء والشخصيات الاجتماعية، 
ومن محاسن الصدف أنني لقيت عند خروجي من عدن في مدينة العين الدكتور ياسر باعزب وهو مركز هذه الرحلة ومحورها، وهو أصلا مسافر خصيصا لهذه الرحلة، والتي سيدير فيها حلقة نقاشية عن دثينة، وكانت المفاجأة الأخرى أن لقيت مع الدكتور باعزب الشاب الإعلامي النبيل الخلوق فهد البرشاء صاحب مبادرة (إشراقة أمل) هو وعدد من أصحابه الشباب واكتمل جمال اللحظة بلقاء الشيخ الحبيب عمر حبيبات والذي لم أره من زمن طويل، فكان ذلك يمثل لي بشرى خير وطالع توفيق أن أحظى بتلك اللحظات الجميلة قبل وصولي إلى محل إقامتي في مودية.
ثم كانت خطبة الجمعة في مسجد الرسالة مودية وفيه كان لقاؤنا بعدد من الأحبة على رأسهم الشيخ أمين معجم والكاتب المعروف منصور العلهي والكاتب الأستاذ محمد صايل مقط ومروان عاتق وآخرون كثر ، وكنا يوم الجمعة في ضيافة باذخة في بيت الدكتور ياسر باعزب بحضور عمه الطبيب التاريخي لدثينة الدكتور علي باعزب والأستاذ جلال شبيحي مدير ثانوية جواس.
وأما يوم السبت فقد كان بيت القصيد في الزيارة حيث كانت الورشة النقاشية بعنوان في (رحاب دثينة) بحضور جمهور ملأ قاعة ثانوية جواس وبحضور عدد من الإعلاميين من مديرية لودر والوضيع ومودية وعدد من الشخصيات الاجتماعية والتربوية، على رأسهم ممثل السلطة المحلية مأمور المديرية الأستاذ أمين عبد الله إبراهيم الصالحي والشيخ علي الخضر السعيدي والمنصب السيد عباس ناصر علوي السقاف. وعدد كبير غيرهم.
واستمع الحضور إلى الدور المحوري لدثينة في التاريخ الإسلامي وأحداثه الكبرى، وكان هناك عدد من المداخلات التي أضفت على اللقاء أجواء من الحماس والحميمية. 
ثم كنا بعدها في ضيافة العميد لؤي الزامكي في عدد من شيوخ قبائل دثينة، وتعرفت في ذلك اليوم على الشيخ فضل الطراقي الحنشي شيخ قبائل آل بليل وقد كنت قبل هذا أسمع عنه خيرا كثيرا، فوجدته خيرا من الخير الذي يذكر به.
وخلال إقامتي هناك زارني الكاتب والمؤرخ الكريم ابن الكريم ابن الكريم عضو مجلس النواب السابق الأستاذ حسين الصديق الجفة وهي المرة الأولى التي ألتقي فيها هذا الرجل وجها لوجه، رجل نحيف الجسم كثير التواضع يهضم نفسه مع ما فيه من خصال الخير وهو ابن القائد الشهيد الصديق الجفة وحفيد قائد معركة امنقع عام ١٩٤٦م ضد بريطانيا العظمى أحمد الجفة. رحمهما الله تعالى.
ويوم الاثنين زارني من لودر الأستاذ الكاتب محمد ناصر العاقل الحنشي بصحبة ولده سيد ثم كنا بعدها في ضيافة أستاذي صالح باعميران وأولاده النجباء الشيخ أحمد صالح وإخوانه.
ويوم الثلاثاء كان لقاؤنا بالشيخ العميد أبو سالم الخضر الشاجري والعميد سالم صالح السعيدي قائد لواء النقل وهما من رتبا زيارتنا إلى مدينة الحافة التاريخية.
وهذه هي المرة الأولى التي أتعرف فيها على العميد (أبو سالم الشاجري) وقد كنت أسمع عن قدراته القيادية ومكانته الإجتماعية وأخلاقه النبيلة وكرمه الحاتمي، فوجدت أكثر من ذلك عقليته الواعية وحماسه المتقد وتواضعه الجم، حيث أوقف نفسه وولده وسيارته في خدمتنا حتى ننفذ تلك الزيارة المهمة إلى عاصمة دثينة التاريخية وكان هو فيها مرشدنا وقائدنا ودليلنا.
وفي الطريق كان يعرفنا على القرى والوديان والجبال والمناطق الأثرية
فهذه قمة خمعة وهذا جبل منع وجبل وعلان وجبل ميلن وجبل مركوز 
وفي طريق عبورنا: هذه قرية امدخلة بضفتيها ( امجيزة+ امصبر) 
وهذه نوبة أحمد علي وهذه امصلعاء( امقرن. ربيز.. صعية)
وهذا وادي البرانية يمتد من جبل البرانية إلى السويداء
وهذه  قرية صلعاء الدولة
وهذه  جبال قلاقل. ... إلخ 
حتى وصلنا إلى بيت القصيد في رحلتنا وهي مدينة *(الحافة)* 
ومدينة الحافة مدينة قديمة وهي العاصمة التاريخية لمنطقة دثينة كلها وقد ذكرها الهمداني صاحب جزيرة العرب المتوفي عام ٣٣٤ للهجرة حيث قال في وصف دثينة: *(والحافة للأصبحيين)* مما يدل على أن هذه المدينة توالى على سكناها أقوام كثر وقد برزت للتاريخ في القرن السابع الهجري وما بعده في صراعات الرسوليين مع سلطنة الجحافل والهياثم، حيث كانت مدينة الحافة هي مركز هذا الصراع وكان يعتصم أهلها بقلعتها الشامخة، واستمرت الحافة كعاصمة لدثينة تخوض حروبها مع الرسوليين والطاهريين والأتراك والأئمة الزيديين القاسميين. 
وهي اليوم ومنذ زمن طويل مساكن السادة الهاشميين ال السقاف ومسقط رأس قائد جبهة دثينة في حروب دثينة ضد بريطانيا المرحوم السيد ناصر علوي السقاف والذي لم يعط حقه التاريخي والذي سيأتي ذكره إن شاء الله ضمن سلسلة *(أعلام دثينة)* رحمه الله، وقد التقيت ولده المنصب عباس ناصر السقاف لقاء سريعا بسبب إنشغاله، ثم تواصل معي واعتذر عن انشغاله عنا بأمور خارجه عن إرادته ولشدة إصراره علينا وعدناه بزيارة في جوله لاحقة.
وحين أوصلنا العميد الشاجري إلى الحافة لم أتمالك نفسي حتى قفزت من السيارة وهرعت إلى جبل قلعة دثينة وتسلقته مسرعا وكأني ملهوف يبحث عن مفقود وهناك رأيت بقايا الإحجار البناء تملأ الجبل من جميع جوانبه مما يدل على أنها كانت تحيط بهذه القلعة مدينة كبيرة جدا، وفي أنقاض هذه المباني حول القلعة شعرت أني أسمع همس حديثهم وأسمارهم وأصغي إلى أخبارهم، كان هنا شعب قوي الشكيمة كبير الطموح عصيا على الإنكسار منيعا على التبعية. 
ومن الجبل مددت نظري شمالا لأرى أودية وأحراشا ومساحات كبيرة تشي بأنها كانت يوما مزارع واسعة، 
ومن القلعة يطل عليك جبل زرب الشامخ وجبل مثوة وجبال البرانية، وكأن القوم اختاروا موقعهم بعناية كموقع حربي يحميهم من غزوات أعدائهم.
هبطنا من الجبل ليأخذنا بعدها أبو سالم الشاجري في لفة حول جبل القلعة لنقف على بعض الحفائر في الجبل ولنقف على بئر البسوس وهي بئر أخرجها السيل عام ١٩٨٢م وغير بعيد عنها حصن داقر( دائر) وذكر لنا أنه يوجد في رأس جبل البرانية قبر بران الذي تنسب إليه الجبال.
وفي جبال مثوة توجد معالم وطرق كثيرة.
وأخيرا مما رأيت في الحافة أنها منطقة خصبة واسعة كثيرة الأشجار تصلح لرعي الإبل والبقر والغنم ومناسبة جدا لتربية النحل ويمكن أن تنمو فيها ثروة حيوانية وزراعية كبيرة لو وجد لها دعم من المؤسسات والمنظمات والمبادرات ذات الصلة سواء كانت حكومية أو مدنية شعبية.
غادرنا مدينة الحافة التاريخية وهي لا تزال قائمة شامخة لم تخل من سكانها، فبيوت السادة ال السقاف تتناثر في حضنها وسهلها وحافة واديها، وكأنها تنتظر دورة تاريخية جديدة تجعلها مدينة مركزية في دثينة.
ولهذا رأيت أن يكون مركز دراستي عن بلدان دثينة هي مدينة الحافة قلب دثينة وذاكرتها التاريخية.
غادرنا الحافة وكان في انتظارنا العميد سالم صالح السعيدي قائد لواء النقل لنكون في ضيافته في قريته *( مكرارة)* وكعادته بالغ في إكرامنا بوجهه البشوش ومائدته الخصبة وشمائله النبيلة.
وتحت زخات المطر عدنا إدراجنا إلى مودية ومنها إلى قريتي *منصب* بمنطقة *أورمة* 
وبعد صلاة فجر الخميس كنا على موعد للسفر إلى عدن الحبيبة حيث إقامتنا، بعد أسبوع قضيناه في دثينة كان مكثفا بالعمل والجمال.
...
وأخيرا الشكر موصول للكرام في مكتبة الرسالة سليمان المشهور وأمجد جمال وفتحي شرجان ورمزي الزامكي وعارف العوذلي.....
وأعتذر عمن نسيته.
.
.