آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-08:49ص

حقا إن تدمير النشء يكمن في تدمير التعليم

الجمعة - 26 مايو 2023 - الساعة 09:10 ص

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


  لقد استطاعت الأمم الغربية والشرقية بالعلم فقط أن تستعبد كثيرا من الأمم المتخلفة علميا على كوكب الأرض ، وتجعل منها أمما مستهلكة لمنتجاتها ، وأسواقا لاستقبال سلعها ، من تلك الأمم الفقيرة المريضة المستهلكة وحسب ؛ الأمم الإفريقية كلها ، والأمم العربية والإسلامية في آسيا ، وأمم أخرى في أمريكا الجنوبية ، وغيرها .
   لكن ألا تشاطرني الرأي يا أبي أن الأمم المتقدمة في الغرب والشرق قد عملت جاهدة على احتكار العلم لنفسها ومنعته عن الأمم الأخرى ؟ أحسنت يابني إذ استرقت السمع، فوصل ماكنت أتمتم به إلى مسامعك ، مع أنني كنت أظنك بجميع حواسك في عالمك الافتراضي ، والآن سوف أجيب على سؤالك يابني ، كلا ليس هناك أي احتكار للعلم ، والعلم يابني أكبر من أن يحتكره إنسان ، أو أمة ، أو أمم . إن الأمر قد وصل إلى حد غير معقول يا أبي ، كيف يابني فأنا لما أفهم بعد ماقصدت ؟ أقصد يا أبي أننا قد أصبحنا خاملين عاجزين عن تدبير أتفه الأمور ؛ كأن نقوم بشراء المحراث المستورد من الخارج في الوقت الذي كان يصنعه جدي على ما أظن ، أوليس الأمر كذلك يا أبي ؟ بلى يابني نحن أمة متوكلة وليست متواكلة ، ولكن بعد أن أمسكت الأمم الغربية والشرقية بناصية العلم ، ونحن أمة إقرأ تخلينا عن القراءة وهجرنا الكتابة ، استطاعت الأولى أن تحقق التقدم في كل المجالات ؛ في الصناعة والزراعة والرعي ، وبذلك امتلكت القوة العسكرية ، والقوة الاقتصادية ، والتخطيط لما هو أبعد ، والتفكير بما هو أعظم ، وبقينا نحن وغيرنا من الأمم المتخلفة منبهرين بما يصنعون ، ونتسابق لسد حاجتنا مما ينتجون وحسب يابني .
   لكن كيف نستطيع الخروج من هذا النفق المظلم العميق يا أبي ؟ بالعلم فقط يابني ، غير أن الأمر لم يعد قريب المنال . لماذا يا أبي ؟ اسمع يابني ، كنا في منتصف القرن المنصرم نشكوا من الزعماء المتخلفين الذين نصبهم علينا المستعمرون ، واستمروا يدعمونهم ويحمونهم من شعوبهم الذين يناضلون للتحرر من بوتقة الجهل والتخلف ، أما اليوم فقد اختلف الأمر كثيرا عما كان . كيف يا أبي ؟ أولم تسمع يابني بحادثة نصب الهواتف النقالة لعشرات من المشاركين في الامتحانات الوزارية لطلاب الثانوية العامة ؟ بلى يا أبي ، ولكن ما الغرابة في ذلك إذا كان طلاب الامتحانات الوزارية يتم توزيع إجابات الأسئلة عليهم كل عام عبر هواتفهم الجوالة ، إلا إذا كنت تنظر للأمر بغرابة من حيث قيام الفتاة بانتحال شخصية غيرها وتنفيذها عملية السرقة باحتراف ؟ وهنا يكمن الخطر الحقيقي يابني ، وهو أن يصبح أمر تغشيش الطلاب الإجابات طبيعيا في نظر الكثير من فئات المجتمع ، الأمر الذي يجعل من أبنائنا وبناتنا يستهترون بأمر القراءة والكتابة وتحصيل العلوم ، فضلا عن قبول السواد الأعظم من المجتمع بذلك ، إذ تجد الأم والأب يسعون لنجاح ابنهم أو ابنتهم دون أن يهتموا لما حصل من العلوم بل تجدهم يدبرون له المبلغ المطلوب منه لإدارة المدرسة التي هي بدورها تقوم باستجلاب من يجيب على الأسئلة ثم توزيعها على الطلاب عبر هواتفهم ؛ لأنهم لايجيدون الكتابة إذا ما قام المعلم بإملائها عليهم .
   والأسوأ من ذلك يابني أنك تجد من هم في السلطة والقائمين على الأمر قد نخر الفساد في عظامهم ، وترسخ الجهل في عقولهم ، وسكن التخلف قلوبهم ؛ لذلك إذا ماحصل خطأ ما ووضع أحد الصالحين على رأس مدرسة أو أي مؤسسة لصناعة الأجيال علميا فإنهم سرعان مايقومون بوصفه بالمبالغ ، والمزايد ، والمخالف لأعراف القوم ، وغير الملتزم بتنفيذ سياسات السلطة وتوجهاتها حتى يستقيل أو يقال فيأتون بغيره ليواصل الدفع بعجلة التجهيل والتدمير للنشء . وبهذا يابني يصبح النهوض من هذه الكبوة صعبا إن لم يكن مستحيلا . بوركت يا أبي ، فالنفق المظلم عميق ومازال الوصول إلى بصيص من الضوء بعيد .