آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-10:11ص

الفتنةُ المذهبيّةُ في اليمنِ من حربٍ عابرةٍ إلى أزمةٍ بنيويّةٍ (2)

الأربعاء - 10 مايو 2023 - الساعة 09:36 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


اليمانيّونَ هُمْ أشدُّ شعوبِ الأرضِ تَـديُّنًا وجَهلًا ! .. مؤشرٌ يُجيبُ ضِمْنًا عن السؤال: ما آفاق الحرب في اليمن ومستقبلها ؟ أو ما فرصُ السلام؟... بلِ السؤالُ الأكثرُ واقعية:  هل انتهتِ الحربُ فعلاً في اليمن؟
  
    عندما يذبحُ الإنسانُ المؤمنُ الحيوانَ لمنفعته والطيرَ؛ يحبّ أن يذكرَ الله كثيراً أو قليلا " قَتْلٌ شرعيٌّ حلال"... و كذا  في الحروب؛ يَهوى أن يكون القتلُ ( شرعيا) باسم الله، فهل بدأنا نفهم؟... ونتحسَّس الإجابة؟

   منابرُ الحربِ في بلادي تُصدِّرُ مشاهدها العنيفة رجال الدين بعنوانٍ مُرعب: (استباحةُ دماءِ المُخالِف) وهذا هو الظلم الذي يستوجب حلول العقوبةالإلـٰهية معجّلةًفي الدنيا قبل الآخرة، تتمثَّل هذه العقوبة في البأس الشديد بين أبناء المجتمع الواحد( بأسُهُمْ بيْنهُم شَديدٌ) وفي حال خلا إيمانُ المجتمع من الظلم المُوجب لعقوبة التمزُّق والشتات واشتداد البأس  بينهم، كان حقّاً على الله أن يكتب لهم الأمنَ والأمان الذي هو من أمسّ حاجات مجتمعنا اليوم ( الذين آمنوا ولمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أولـٰئكَ لهمُ الأَمْـنُ)

    واتّخذتْ هواية تصدير العنف 
 بُعْداً دينياً عقائدياً عنيفاً... صحيح أنّها اليوم قد خَبَتْ عمّا كانت عليه في بداياتها (2015) حين أقدم( الحوثي)  على مغامراتٍ جنوباً وشرقاً رافعاً  شعار الحرب على (الدواعش).......؛ لترتدّ عليه الموجة  بطرده وملاحقته حتى الحُـدَيـْدة بشعار دحر الغزاة (الروافض) الذين يسبُّون الصحابة وينالون من أمّهات المؤمنين!    
 
                من المنطقي أن الحرب الدينية العقائدية تكون أشدَّ وطأة وأشرس فالمجاهدون (العزَّاب أغلبهم) قد ضمنوا الجنة ويشتاقون لبناتها! بعض مناطق اليمن تزغرد فيها النساء للميت (العازب) لأنه سيتزوج في الجنة.
      والحرب تراوح مكانها ليس بسبب الهدنة بل لأنّ كلَّ طرف قد اُنهِكَ وخارَتْ قُوَاه؛ فإذا آنس أحد الفريقين من نفسه قوةً وبطشاً، تتلظّى من جديد لاسيما (أنصار الله)... وبضوء أخضر من الكفيل طبعاً ....( لن ترى الدنيا على أرضي وصيا)  ...( يا زعيمة جري السنبوق)!
       إذاً الخلاصة أن الحرب في صورتها العنيفة في اليمن هي حرب عقائدية أي أننا دخلنا في دوامة الحروب المتجدِّدة التّنَاحُرية، ولن تهدأ اليمن إلا بالعودة إلى فكر الوسطية والاعتدال؛ ما يجري خطير جداً هناك تغيير في مفهوم التسامح والتعايش اجتماعياً وثقافياً نحو التطرُّف والتكفير واستباحة الدماء!  تغيير في بنية المجتمع العقائدي.  
  
         لذا لابدّ من تفكيك الخطاب العقائدي المتطرِّف وهو خطاب في تقديرنا وافد (مستورد) فالتنازع بين الشيعة والسُّنّة لا يكاد يذكر في التاريخ اليمني على امتداد القرون إلا من بعض المناوشات المتفرقة والتي كانت بتأثير أطراف غير محلية؛ وذات طابع سياسي في الأغلب.
      عندما تشرَّبتِ المجتمعات اليمنية الإسلام طواعيةً؛ تسامحت في وضع نماذج (مذهبية) محليّة الصُّنْع، أو بالأحرى تنويعات محليّة على الأصل الديني (المفقود)، تجتهد في مقاربته بالمكان وسياقه وتوائمه، فالشافعيّة في اليمن غير الشافعية في مصر والشام، والزيدية في اليمن تختلف عن زيدية العراق وبحر قزوين.
إنّ كلّ مذهب ُيقدّم نفسه في الأصل على أنّه أكثر قُـرْبـاً وفائدةً للناس والمجتمع من المذاهب الأخرى، هكذا أباحت الشافعية الطبل في المساجد، واستحسنت الزيدية الأناشيد الدينية رغم تحريمها الغناء أشد التحريم.

مجيب الرحمن الوصابي

(يتبع بإذن الله)