آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-08:55ص

ماذا فعلت وتفعل أيها الغراب !؟

السبت - 06 مايو 2023 - الساعة 12:00 ص

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


   أظن أن الغراب طائر يعرفه الكثير من البشر إن لم يكونوا كلهم ؛ وذلك لتواجده في معظم أقطار الأرض ، هذا إذا لم يكن متواجدا فيها كلها ، لكن الغراب الذي ينتشر في معظم أصقاع الأرض ليس نوعا واحدا كما قد يظن الكثير ، لكنه - على الأقل في حد علمي أنا - نوعان ؛ النوع الأول هو الغراب العربي الأصيل ، وحجمه يساوي حجم الدجاجة المحلية تقريبا ، لكنه يتميز عن غيره من الطيور بالذكاء الحاد ، وكثرة الالتفات ، وسرعة الانتباه ، لايؤذي أحدا أكان من البشر أو من الطيور ، لايستطيع التواجد أو العيش في المدن حيث الكثافة السكانية ، أو الأماكن المعروفة بالضوضاء والازدحام ، بل حتى في القرى والأرياف تجده لايقترب أبدا من الأسواق ومنازل الساكنين ، وإنما عادة مايكون في أعالي الأشجار الباسقة ، وفي قمم الجبال ، وإذا ما استرقت البصر خلسة نحوه يطير مباشرة حتى يختفي عن ناظريك ؛ لذلك نلقب الأذكى من أبنائنا بالغراب ، ونشبه الماء النقي بعيون الغربان .   
   أما الغراب الهجين أو المستورد فهو ذلك الغراب المستوطن المدن كمدينة عدن والحوطة وفي بعض دول الخليج ، والذي لايلتقي مع الغراب السالف الذكر إلا باللون فقط ؛ إذ تجده أصغر من سالفه حجما ، لكنه يعد كتلة من الشر والحقد والأذى ، ولا أريد الإفراط في وصفه ؛ لأن الكثير من القراء الكرام القاطنين في حواضر البلاد يعلمون شره وحقده وأذاه جيدا ؛ لمعاناتهم اليومية من أفعاله المنكرة . اعذرني أخي القارئ الكريم إذ أسرفت في وصف الغراب قبل أن أعمد إلى بيت القصيد في سردية الليلة .           

كنت أسمع من الجدات والأجداد - وأنا طفل صغير - كثيرا من الحكايات التي تبين عدوانية الغراب وكرهه لرسول الله (ص) ، منها ؛ قولهم : إن الغراب في أثناء تتبع كفار قريش للنبي محمد ، وهو في هجرته من مكة إلى يثرب ، كان يحلق فوق غار ثور ، حيث يختبئ محمد وصاحبه ، ويشير بصوته وعينيه إلى الغار لكي يدرك الباحثون عن محمد أنه في غيابة ذلك الغار . ومن الروايات أيضا أن الغراب يأتي من ضمن الطيور التي رغب الإسلام في قتلها والتخلص منها . وهنا أعتذر للقارئ الكريم عن حقيقة صحة هذه الروايات من عدم صحتها .
لكنني ما إن رأيت الغراب يمزق راية الصهاينة مرة ، ثم أبصرته وهو ينتزع الراية نفسها ، ولكن هذه المرة من على السارية التي تحملها ، ويرميها إلى الأرض حتى تغيرت المفاهيم وتبدلت المضامين في بصري وبصيرتي نحو الغراب ؛ لأنه استطاع أن يقوم بعمل عظيم عجزت عن القيام به أمة بلغ تعدادها 2 مليار نسمة تقريبا ، فلله درك من غراب عظيم أسقط راية الصهاينة - بعد أن أكلها مرة - بكل عزيمة وإصرار ، بل أراد أن يوصل بذلك الفعل العظيم رسالتين ؛ الأولى لأمة الإسلام ومفادها إن هذا العدو الذي جثوتم أمام أقدامه ، وانبطحتم لإملاءاته حقير جبان في حجمه وأفعاله . والأخرى للعدو الصهيوني ، وفحواها مهما تجبرتم وتكبرتم أيها الصهاينة فإنكم أحقر وأجبن خلق الله ، وقد وصفكم بذلك الله جل جلاله في القرآن الكريم ، لكن يبدو أن أمة القرآن - إن جاز التعبير - لم تعد تقرأ ألفاظه أو تفهم معانيه ، فضلا عن قوله للصهاينة إن أرض فلسطين ليست أرضكم ، وأن أيامكم قد أضحت معدودة فما عليكم إلا الرحيل والعودة إلى حيث كنتم .
   وهنا عدت إلى الغوص في ملفات الذاكرة فأدركت أن الغراب قد كلفه الخالق قبل هذا  - ربما - بما هو أعظم من ذلك العمل وأكبر من ذلك الفعل ؛ إنه إرشاد قابيل كيف يواري سوءة أخيه هابيل ، فلله درك أيها الغراب ما أعظمك وما أعظم أفعالك !!!