آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-02:21م

واقترب الوعد الحق

الثلاثاء - 25 أبريل 2023 - الساعة 06:58 م

فهمي غانم
بقلم: فهمي غانم
- ارشيف الكاتب


هانحن نلجُ أبوابَ العيد وندخلُ  حقاً أجواءه بل إننا على ثخومه في معيّةِ الله سبحانه وتعالى نستحضرُ تجلياته نتوقعُ الفرجَ بعد صبر والفرحَ بعد عناء نرمّمُ به شروخَ أوجاعنا وألمَ أيامنا لنصنعَ منه اليقينَ الذي يحصِّنُنا ونتدثرُ بثوب الأمل المنتشئ بروائح  الفلِّ وعطرِ الياسمين..
أيامُ مضتْ عشنا فيها رمضانَ الخير استحضرنا  ذالكَ الخشوع والتأمل ومدارك الصمت وجُبْنا فوق أجياد الأرض إلى أفقِ السماء في رحلةٍ سرديةٍ روحيةٍ متخيّلة نزكي فيها النفس حيثُ المقام الرفيع نستلهمُ الضرورةَ الإيمانية لتجفيفِ ماعلق بالنفسِ الأمّارة بالسؤِ إلاّ مارحم وإعادتها سيرتها الأولى حيثُ البراءة والطّهارة والنّقاء..
العيدُ يظلُّ أهمَّ الموروثاث الدينية وله رمزيةٌ روحية وتاريخية فالأعيادُ موروثٌ تاريخي سابق حتى على الإسلام فقد كانت هناك طقوسٌ وأعيادٌ خاصة باليهود والنّصارى والمجوس وبالطبع العرب فعند اليهود يبرزُ يوم السبت وعيد الغفران وعند النصارى يوم الأحد وعيد الصليب وعند المجوس عيد النيروز وعيد المهرجان لكن يبرزُ الأفضلُ والاعظم عند المسلمين أعيادهم المستوحاة من الكتابِ العظيم والسُنّةِ المباركة كأعيادٍ وضعَ الأسلامُ ضوابطها..وهذا الموروثُ الديني والرمزُ التاريخي أصبح الإحتفالُ به تواتراً إجتماعياً وطقساً موسمياً يتناقلُ عبرَ الزمن ومن عصرٍ إلى عصر جبَّ به الإسلامُ ماقبله فأصبحتْ أعيادُ المسلمين على قدرٍ من الجلالِ والإحترام والأهميّة مرتبطة بمواسمَ زمنيةٍ وتماثلاتٍ فرائحيةٍ وإشرقاتٍ روحانيةٍ بهيجة تثيرُ المشاعرَ الإيجابية  فتجعل منها أعياداً يُعيدُ فيها الإنسانُ المسلم شحنَ عواطفه وإستحضارَ تلك المواقف التي تسمو بها مشاعره وتروح به نفسه.. 
وقد سنٌَ لنا الشرعُ عيدَ الفطر وعيدَ الأضحى ويومَ الجمعة كأيامٍ بهيجة..
قال تعالى..
/ولتُكملُوا العدّةَ ولتُكَبّروا اللهَ على ماهداكم/
ولحديث رسول الله صلَّ عليه وسلم../إنَّ لكلِّ قومٍ عيداً وهذا عيدنا/..
وهو إشارة لتأكيد حضورِ العيد مما يعني إظهارُ الفرح والتذاكر والتذكّر والعبر..
وعموماً فإنٌَ العيدَ في الإسلام هو مظهرٌ من مظاهر التعبّدِ والتقوى وصلةِ الأرحام وإبداءِ التسامح وتقويته وتزكيةِ النسيجِ الإجتماعي وتفعيلِ روابطه.. 
يقول تعالى
/ قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربه فصلّى/..
وقال تعالى أيضا
/فصلِّ لربك وانحر/
وقال الحق تعالى أيضا
/ياأيُها الّذينَ آمنوا إذا نُودي للصلاةِ منْ يومِ الجمعةِ فاسعوا إلى ذكرِ الله/
هذه إشاراتٌ قرآنيةٌ إلزامية لوحدةِ التشريع الديني وتقنين إحتفالات المسلمين بما يضبطُ التوافقَ المادي والروحي كمتلازمةٍ عضوية فينفخُ المولى في أنفسنا نعمةَ التبصّرِ ونفائس الخير ونفحاتِ الروح الذي يدركُ أبصارَها..
وقد يبدو الإحتفالُ بالأعياد ممارسات لشعائر نمطية ولكن علينا أن نلتقطَ هذا الحدث الديني الفريد ونفكّك صورته الذهنية فسنكتشفُ حتماً أنَّ الصورةَ أكبرُ وأجمل وأعظم من ذالك فهي عبادةٌ روحيةٌ بالغةُ الأثر والدلالة تتجسدُ من خلالها الشخصيةُ الوجودية للمسلم وتمايزاتها الروحية إنْ على صعيد النظر إليها كعبادةٍ مثل سائر العبادات وهو الذي يكسبها هذه القداسة أوإنْ على صعيدِ شكلها الإحتفائي البعيد عن الشطط والسفهِ والمجون الذي يكسبها ذالك الزخمُ والتميّز والألق مما يؤكّدُ الطابعَ التكويني البنيوي للمسلم القائم على تحقيقِ إشباعِ حاجاته الماديةِ والروحية القائمة على قياسٍ شرعي دونَ تغوّل أحدهما على الآخر..والعيدُ بذالك يُمثّلُ لحظةَ العبور وإستراحةً لمواصلة المشوار بروحٍ مشبّعة بأريحية
وعلى ذكرِ الموروثُ الإجتماعي تتموضعُ في النفوس مظاهرُ الفرحِ التعبيري الجميل الذي يعكسُ صفاءً ورواحاً نفسياً طيباً تتجلّى مظاهره بتلك الزيارات وذالك الرصيد العاطفي بين الأهلِ والجيران وتوزيع الهدايا العيدية العينية والنقدية وخاصة للأطفال وتبادل الأطباق بين الجيران وتوزيع الكساء واللحوم للمحتاجين والفقراء وهو مايعزز تلك الثقافة الإسلامية والسلوك الإسلامي الحميد فتبرز تلك القيم والعادات الطيبة كمعادل موضوعي لشخصية المسلم المتزن الذي يقدم صورا ناصعة  للبهجة والعطاء والسلام في النفوس.. 
وهناكَ موضوعٌ موازي لأعيادِ المسلمين إذ يتوارث المسلمون عبر تاريخهم الطويل أعياداً أخرى أو قلْ أياماً أخرى يتمُّ إحياءها من منظورٍ إحتفائي وبرسمٍ روحي خالص كالأحتفال بالمولّد النبَويّ الشريف على صاحبه أفضلُ الصلاةِ والتسليم والإحتفال بالإسراءِ والمعراج ويوم عاشوراء وغيرها كأيامٍ رمزيةٍ تحملُ معنىً روحي أو تاريخي مميّز ترتبطُ بإحياءِ ذكرى عظيمةٍ أو إستحضارِ شخصيةٍ روحية ورمزية 
وهنا مربطُ الفرس في حدوثِ بعض التباين الفقهي والإختلاف في معطياتِ التفسير لمثل هكذا إحتفال..
وقد المحَ البعض أنَّ مثل هذه الإحتفالات تندرجُ ضمن البدعةِ وأنّ الصحابةَ رضوان الله عليهم لم يعملوا بها في حين ألمحَ البعضُ الآخرُ نِعمَ البدعة الحسنة هذه إذ يكسبُ صاحبُها اجرَ الذكر منها..