آخر تحديث :الأربعاء-08 مايو 2024-12:28ص

البصمة الصوتية

السبت - 08 أبريل 2023 - الساعة 11:43 م

فهمي غانم
بقلم: فهمي غانم
- ارشيف الكاتب


عندما يطلقُ الإنسانُ حرفاً أو كلمةً فإنّه يطلقُ صوتاً ويكونُ هذا الصوت مموسقاّ أي له إيقاع معين ومن جملةِ هذه الحروف والكلمات والجمل والعبارات ينشأ علمُ الصوتيات الذي يختصُّ بتحليل الكتلة الصوتية نوعها وعمقها وتأثيرها وتنتج في الأخير ماأصُطلح على تسميته بالبصمة الصوتية التي تتولّد عن المدى الصوتي في توافقاته وتشاطره وتفاعله في المنطقةِ المتداخلة بينَ القرار والجواب كوحدةٍ صوتية ويتمّ من خلالها القياس على فخامة ذالك الصوت او نعومته قوته أو ضعفه  إرتفاعه أو إنخفاضه وهنا يكمنُ سرُّ البصمة الصوتية التي تؤسس لشخصيةٍ مستقلةٍ تماماً..ويدخلُ في هذا التصنيف قارئو القرآن الكريم الذين يتمتعونَ بمساحاتٍ صوتية قد تطولُ أو تقصر فيظهر الصوت هنا كحالةٍ من حالاتِ التجلّي لدى قارئي القرآن الكريم بشكلٍ خاص فتتماهى آذاننا إلى حدِّ الإنسجام بل والإندماج مع هذا الصوت او ذالك..وقد قال رسولُ الله صلّ اللهُ عليه وسلّم:
( زينو القرآنَ بأصواتكم )
وقال سولُ الله صلّ اللهُ عليه وسلّم أيضاً:
( الماهرُ في القرآنِ مع السَفَرة )
وكما وردَ بفتوى للجنةِ الفتوى بالأزهر الشريف:
( جمالُ الصوت وحسنه مسألةٌ فطرية إلاّ أنّه يُكتسبُ بإتباع المقامات ) 
لكن هذا لايعني كما أشار العلماء إطلاقاً أن يُقرأ القرآن  الكريم باألحان الغناء بل يُقرأ كما قرأه السلف الصالح بدون تنعيم أو تنغيم أو شئ ممّا يخدشُ قداسةَ القرآن الكريم..
البصمةُ الصوتية إذن تتشكّل وفِق متواليات فيزيائية وهي إحدى مخرجات الجهاز الصوتي للإنسان والذي من خلاله يكون الفرزُ أوضح والشاهدُ ادل على حدوث الفوارق والمميزات الصوتية بين شخص وآخر.. 
إذنْ نحنُ لانعيش مع الصوت القرآني في ثخومه ومرابض حروفه بل نرحلُ معه في رحلةٍ متخيّلة وبسردية روحية هائمة لإعادةِ تخليق وتجديد دواخلنا  وحملها على الإستشعار بل الإرتقاء مع هذا النهج القرآني العظيم فتبدو كأننا نتطّلع إلى حدود الكون وإلى تلك الآفاق المرسومة تحتَ نظرِ هذه الأصوات الرخيمة والقوية والعميقة لأنّها تخرجُ من مشكاةٍ واحد فلو استمعنا جيداً لتلك الأصوات وتلك القراءات المتنوّعة لشَعرنا بالفعل أنَّ هناك حالةً من الإشباع الصوتي التي اكتسبها هؤلاء المقرؤن وتشكّلت عندهم مايمكن أن نسميه حائط صد لكل مايمكن أن يشير إلى هامش من الخطأ بعد أن تشبّع هؤلاء باليقين والعلم والخبرة والقبول..
ونحنُ إذا استعرضنا وأنصتنا  لمخرجات الصوت المصري كنموذج لتلك القراءات وخاصة لكبار الشيوخ والقرّاء مثل محمود الحصري وعبد الباسط عبد الصمد وأبو العينين الشعيشع الذي يعتبر شيخ المقرئين ومحمد صدّيق المنشاوي ومحمد رفعت ومصطفى إسماعيل وغيرهم كثر لأدركنا في الحال أنَّ لكلّ واحد بصمةً صوتيه تميّزه عن الآخر وتدلّ عليه بمعنى آخر لكلِّ شخصٍ ذبذبة صوتية خاصة به هي التي تبرز تلك الخصائص والفروقات البينية وتشير إلى نوعِ المقام الذي هو قاعدته فالأصواتُ عموماً عبارة عن مقامات والمقامُ علمٌ يختصّ بدرجة الصوت وقوته وقياسه وجماله وجودته..وليس أدلّ على ذالك إعجاب رسول الله صلّ اللهُ عليه وسلّم بصوت أبو موسى الأشعري فقال له : 
لقد أُتيتَ مزماراً من مزامير داوود ..
وفي هذا إشارة كافية لجودةِ الصوت وحُسنِه وروعة الأداء..وقد التقطتْ مسامعنا منذّ وقتٍ مبكّر قراءآت شيوخِ القرّاء المصريين وارتبطت حواسنا زمنياً مع تلك الأصواتِ الخالدة وذالك الاسلوب المميّز الذي ينسابُ فينا ليوقظَ ذالك الألق الجميل وينقلنا إلى عوالمَ من المتعة الروحية والفائدة العلمية..وقسْ على ذالك كلّ القرّاء الكرام الذين أجادوا القراءةَ وأحسنوا التوصيل..
ما يهمنا أنَّ البصمةَ الصوتية اليوم هي جزءٌ من العلوم فدخلتْ بهذا في منظومة الشواهد والإثباتات في الكثير من المسائل المتعلّقة بحياة الإنسان..
يكتسبُ قارئ القرآن الكريم من خلال هذه المقامات المهارات الصوتيةَ التي يملئ بها كلَّ المساحات القابلة للتموّضع والأَنَس معه والتفاعل الوجداني من خلال إشتراطات قال بها الفقهاء وتُعدُّ لأزمةٌ ضرورية لاغنى عنها للوصولِ إلى الإجادة والحصول على براءةِ العبور إلى العالمية بعد مرحلة المران والدراية وتراكم الخبرة التي تصل بالقارئ إلى مرحلة متقدّمة يظهر فيه الترتيل والتجويد على أعلى مستوى من الجودة والإتقان ولايمكن الحديث عن الترتيل كقراءةٍ متأنية اوالتجويد التي هي مرحلة الإجادة وإعطاء الحروف حقها من مخارجها وفقاً للخصاىص المتفق عليها بين العلماء وكم أنَّ للشعر أبحره نجدْ أنَّ للصوت مقاماته ولعلّ الأمر ضروري للإشارة إلى أنَّ التجويد أصلاً يشملُ الترتيلَ أو التراسل بين الكلمات والحروف ولهذا فالحديثُ عنهما  بمعزل عن ماتوفره جملةُ هذه القواعد والإشتراطات للوصول إلى هذه اللغة الصوتية المتكاملة التي تصنعُ فارقاً وجودةً في الأداء إنّما هو حديثٌ ناقص وغير دقيق..
ٱذنْ قراءةُ القرآنِ الكريم تتشكّل من خلال المقاطع الصوتية المتعدّدة وهي حركات صوتية يختزله ذالك المد بحركاته التي هي بين الجواز واللزوم أو إدغام الحروف  والإخفاء والتفخيم والقلقلة..وتلعبُ الأحبالُ الصوتية  كقناةً للتوصيل فالاحبالُ الصوتية هو أولُّ جهاز صوتي موسيقي طبيعي ومن خلاله بدأَ الإنسانُ يتحسس مواطنَ الإعجاب فاكتشفَ ذالك التأثير الساحر والممتع من خلال تردّدات صوته وصداه ومع تراكم التجربة والخبرة وصلَ إلى تثبيت تلك المفاهيم والأسس التي تبنى عليه الأصوات والتي شكلتْ البصمةَ الصوتية المترادف الموضوعي لكلِّ المخرجات الصوتية..