آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-12:56م

الصوم والسلام العالمي ،،،

الأربعاء - 29 مارس 2023 - الساعة 12:24 ص

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


لم تكن تعاليم الإسلام طقوساً تؤدى بلا هدف ، ولا غاية ، وليست حركات جوفاء لا روح فيها ، ولم تكن كذلك شعارات فارغة لدغدغة المشاعر ، وسوق الناس بلا وعي وبلا بصيرة ،،

ولكنها في مجموعها تهدف إلى إحداث ثورة حقيقية في حياة المسلم ،،،
ثورة في أخلاقه ، وثورة في مشاعره ، وثورة في سلوكه ، وثورة في بيئته ، وثورة في مجتمعه ، وثورة لتصحيح علاقته مع ربه سبحان وتعالى...

ومن أبرز تلك العبادات التي تتبدى معالم ثورتها في حياة الفرد المسلم ، وفي حياة الأسرة ، وفي حياة المجتمع ...
فريضة الصيام ,,
تلك الفريضة التي تهدف إلى إحياء القيم الفاضلة ، وبعث معاني الأخلاق العالية ،  والدعوة للتحلي  بالسلوكيات الراقية  ،،،

ذلك ما أكده الرسول الأعظم حينما قال :
( إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ، ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم إني أمرؤ صائم ) ،،

يا لك من معلَّم عظيم !!
دعوة واضحة ، صريحة ، نقية ...لإشاعة أجواء السلام ، ونشر ثقافة السلام ، وإحياء قيم السلام ، والتحلي  بخلق التسامح ، والترفع ، والعفو ، والصفح  ، وإغماد سيف شر ,  ووأد بوادر الفتنة ، وإخماد بواعث الإنتقام  ...
حتى يوم أن يرفع السفيه سيفه لنشر الشر ...
يرفع الصائم صوته... أغمد سيفك لإني أمرؤ صائم ،،
فتكون تلك الكلمات بمثابة دلوٍ من ماء بارد صٌبَّ على نار فأطفئها !! 
فيتوارى بغاة الشر يجرون ذيل الهزيمة ، ويوقنون أنَّ سلطان الصوم أقوى من شرورهم،
وأنَّ رايات السلام تتحطم عليها كل بواغئهم ،،

هكذا  تتجلى عظمة هذه الفريصة  كونها تعلم المسلم كيف يستعلي على شهواته، ورغباته ولذائذه،  وغرائزه ،،،
وتعلمه كذلك كيف يتسامى على طيش الطائشين، وسفاهة السفهاء، وجهل الجُهلاء ، وحماقة الحمقاء ، وكيف يتمثل كل ذلك ...  بطواعية،  وقناعة، ورضا وتجلد وصبر وثبات ، في صورة لا تتحقق إلا في أجواء هذه الفريضة

فيا الله ما أعظم فريضة الصيام !!!
أما والله لو عمَّ الصوم العالم....
لكان إجماعاً بشرياً على إعلان ثورة لمدة شهراً كاملاً لتطهيره  من رذائله، وفساده ، ومحق الأثرة ،والشح ،والبخل...
وذلك ليبلغوا معاني درجات الإنسانية الكامنة في العدالة، والمساواة، والاحسان، والإخاء والحب ،والعطف، والشفقة، والعفو ، والتسامح ، والترفع عن الهفوات ، والزلات  ، والسلطات .

هكذا يوحد الصوم شعور المسلمين ، ويجعلهم كلهم جميعاً  في حالة واحدة تتلبس بها النفس أفياء الروح الذي يعلَّم الرحمة ويدعو إليها ، وينشر ثقافة التسامح ويحض عليها ، ويشيع أجواء السلام ، والوئام ، والأمن والأمان ويشدد عليها ،،

إنه سلطان الصوم ..
وأي سلطان !!
سلطان يختزل كل معاني الإنسانية السامية ، فيتمثلها الصائمون بطيب نفس ، وبكل حب وشغف وشوق وتلهف ،،
فيتساوى الناس أمام هذا السطان ، بل يحرصون أن لا يخالفون أوامره ، ولا يتجاوزون تعاليمه ..ولو بكلمة حتى في أشد المواقف على النفس.. حينما يتطاول على أحد منهم غرٌَ خبيث.. يقف سلطان الصوم ليقول للصائم أضبط سلوكك لأنك صائم ، وتجاوز السفاهة لأنك صائم ،،،

فأي معجزة تلك التي تثير ذلك الشعور الراقي لدى المسلمين والذي يقضي أن تحذف البشرية تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل عام ليحل محله..
تاريخ النفس ،،
تاريخ الروح ،،
تاريخ القيم ،،،
تاريخ الأخلاق ،،
تاريخ الحب ،،
تاريخ التسامي ،
تاريخ السلام العالمي ،،

فآه ما أجمل الدنيا أن تسير بهذه المعاني ولو ليوم واحد ..فكيف بها إذا لزمت تلك المعاني شهرا كاملاً ..
بل كيف بها إذا لزمتها دهراً من حياتها ؟