آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-01:45م

حكايات رمضانية ( ٢ )

الجمعة - 24 مارس 2023 - الساعة 08:13 م

محمد ناصر العولقي
بقلم: محمد ناصر العولقي
- ارشيف الكاتب


 

رمضان في بيت الخريبي

كنا في حافة الخريبي كالأسرة الواحدة ؛ أهل المرحوم عمي علي والمرحوم عمي أحمد عوض الخريبي وأهل المرحوم عمي صالح علوي امثريا  وأصهاره حسين الوحيشي وعلي علوي الوحيشي  وأهل المرحوم عمي أحمد جربوع وأهل المرحوم محمد علي القيرحي وأهل المرحوم محسن ثابت العمودي وأهل المرحوم محسن هيلان وأهل المرحوم المصوري وأهل المرحوم حمود الدولة وبقية أهل الحافة ....
كان البيت الكبير الذي تلتقي فيه أسر الحافة وأطفال الحافة في ليالي رمضان هو بيت الخريبي .. كان بيت الكل ، وبيت الأسمار الرئيسي ومتابعة مسلسلات وبرامج رمضان من تلفزيون عدن فهو البيت الوحيد في الحافة الذي كان فيه تلفزيون كما كان بيت اللعب المفضل في دهاليزه وحوشه الكبير .
كان بيت عمي علي عوض الخريبي رحمه الله كما أتصوره بعد سنوات طويلة جدا من آخر مرة دخلته  بيتا مميزا في بنائه ، بيت كبير من الطين من دورين وريم فسيح ، ولديه حوش واسع وسور كبير ، وفيه غرف كثيرة ، وتستطيع أن تقول إنه بيت يشبه القلعة الصغيرة ، وكانت الأسرة تسكن في الدور الثاني ويخيل لي أن أغلب غرف الدور الأرضي داخل البيت كانت شبه مهجورة وتستعمل للحطب أو مؤن الأسرة وما شابه ، وممرات البيت تشبه زغاطيط الشوارع وكانت مظلمة تقريبا ، وكان في الدور الأرضي من الجهة الشرقية للبيت غرفتان منفصلتان ذواتا أبواب من اتجاه الحوش ؛  إحداهما تعيش فيها امرأة طاعنة في السن اسمها الحجة شيخة بنت عوض ( لا أدري ماذا كانت صلة قرابتها بعمي علي الخريبي ) ، وكنا نتشاقى عليها شقاوة الأطفال ونتبعها أو نتخاوص عليها من عند الباب ونحن نغني اسمها  : الحجة شاخة بنت عول وهي تغضب تارة وتبتسم تارة أخرى ، وفي الغرفة الثانية كانت تسكن امرأة بدوية تساعد الأسرة في الأعمال المنزلية اسمها أمي فاطمة امفتاحية وكانت غالبا ما تصيح فوقنا وتتكلم بسرعة وكلمة نفهمها وأربع لا نفهمهن وتسبب لنا قلقا لأنها كانت حريصة على سامان ونطافة البيت أكثر من أهله ، وربما كانت هناك كذلك غرفة ثالثة ( لا أتذكر جيدا ) مخصصة لامرأة أخرى تدعى إمنخعية نسبة الى منطقتها وأيصا المقطرية نسبة الى اسم زوجها ( المقطري ) وكانت تساعد في  الأعمال المنزلية الى جانب أمي فاطمة امفتاحية ، كما كان في الجهة الجنوبية من حوش البيت حضيرة أغنام ، أما الجهة الغربية من البيت فكان هناك بناء منفصل عن البيت ولكنه في إطاره وكان فيه المخدم ( المطبخ ) والدارة والحمامات ومغاسيل تقريبا .
طبعا كان البيت الكبير بيتا لآل الخريبي جميعا ، أسرة الحاج علي وأسرة الحاج أحمد عوض الخريبي ثم انتقل النرحوم عمي أحمد الى البيت البردين الذي بجواره ثم تم تخيير الأسرتين ، بعد قانون التأميم ، في السكن جميعا في أحد البيتين وتأميم البيت الآخر ، فاختاروا البيت البردين الذي تسكن فيه أسرة آل الخريبي حاليا وتم تأميم البيت الكبير ، وكنا نسكن في الجهة الشرقية من البيت الكبير ويفصل بيننا وبين حوش البيت الكبير جلي ، وكان في الجلي باب خلفي للبيت الذي نسكن فيه ( والبيت هو في الأصل ملك آل الخريبي وتم تأميمه ثم أعدناه لهم بعد الوحدة ) كما كان لحوش البيت الكبير ( بيت الخريبي ) باب أيضا مواجه لبيتنا .
في رمضان كانت أسر الحافة وأطفالها يجتمعون ، من بعد صلاة التراويح ، في بيت الخريبي للرغي والسمر ومتابعة المسلسلات وأكل ما جاء به كل منهم من بيته من بعض الفطور أو العشاء ونحن كأطفال كنا نأكل معهم ونلعب ونتفرج التلفزيون , ونلعب القوق ونتطارد برعب في الدهاليز المظلمة في الدور الأرضي ، وكم حصلت من مواقف مرعبة ومضحكة بسبب هذه المطاردات سواء في الليل أو النهار ، وكم حصلت من مراهنات بيننا وتحديات حول من يستطيع أن ينزل لوحده من باب درج الدور الثاني ويسير الى باب الدور الأرضي المطل على الحوش ، فقد كان الحال السائد فيها هو الظلام ، ويكون عليه المرور في دهليز والغرف المظلمة على يمينه وأصوات متحديه من خلفه : 
- جاك ... جاك يا ( فلان ) ... ألا يا الحطاب أزقره .. 
ومع عبارات الرعب هذه وغيرها التي تختلط بالضحكات والزعيق وبهمهمات ( همممم هممممم هممممممم ) ، فقد كان قوي القلب فينا يطلق لرجليه العنان في الدهليز حتى يصل الى الباب بينما أغلبنا كان يعود أدراجه الى الأعلى مع عبارات الغضب والتوبيخ والزعل وإلقاء اللوم على متحديه : كنت بجزع بس انتم كثرتوا بالصياح واللياح !!!!  
كما كنا في لحظات التضامن نخرج الحوش ونشعل النيران مرحبين برمضان أو مودعين لرمضان وكانت الليلة الرائعة هي الليلة التي تأتي فيها أمي بركة العمياء الى البيت ، فقد كانت ليلة يختلط فيها الرعب من صميل أمي بركة ومن حصاها التي كانت تحتفظ بهن في قصعتها أو ثبانها مع الطمع في اختلاس بعض ما في قصعتها من عانات مع الشغف بسماع حكاياتها أو اختبار ذكائها في التعرف علينا من خلال أصواتنا ، وعندما تبلغ الشقاوة حدا أعلى ويرتفع صوت أمي بركة متبرما من المضايقة فإن الأوان يحين لتدخل أمي آمنة سيدة البيت ، رحمها الله ، بتوجيه الأمر للكف عن مضايقة بركة ، ويحل السلام .
كانت حياة مميزة ؛ حياة ألفة بين الناس ومحبة وصفاء وسعة قلوب وضحك وسلى ، وكانت هذه الحياة المميزة تصبح أجمل في ليالي رمضان منها في الأوقات الأخرى .
نلتقي غدا ، إن شاء الله ، مع حكاية جديدة