آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:00ص

خواطر موظف على خواطر صاحبنا الموظف ناصر

الأربعاء - 08 مارس 2023 - الساعة 08:52 م

د. أنور الصوفي
بقلم: د. أنور الصوفي
- ارشيف الكاتب


توظفت بعد صاحبنا الموظف ناصر بسنة، وكان راتبي 10150 وهو راتب رائع في تلك الفترة، وواصلت دراستي حتى تحصلت على الدكتوراه، ولا فرق بين راتبي عند التعيين وراتبي الحالي إلا أنه زاد مؤخرًا وقلت قيمته الشرائية، ولكن نظرتي للوظيفة ربما تختلف عن نظرة صديقي ناصر، فأنا اليوم سعيد بهذه الوظيفة وأحمد الله عليها في كل وقت وحين، فإن يختصك الله لتربية وتعليم الأجيال، فهذه نعمة عظيمة، فأنا اليوم أفاخر بتلاميذ وطلاب نراهم اليوم يقودون الحياة بفضل الله ثم بتعليمنا لهم، فالوظيفة ليست مصدر رزق فقط كما ينظر لها صاحبنا ناصر، ولكنها فوق ذلك تأدية واجب ديني، ووطني لخدمة المجتمع، كما أنها ليست المصدر الوحيد للرزق، فأبواب الرزق كثيرة، فكثير من المدرسين يعملون في وقت انتهاء عملهم في أعمال أخرى تساعدهم في متطلبات الحياة، ولكن الوظيفة إلى جانب أنها مصدر رزق، فهي تقدم خدمة لغيرنا لتستقيم الحياة وتستمر.

 أخي ناصر مازالت الوظيفة حلم الكثير، ونحمد الله إن رزقنا إياها، ولو لم ترزقها في تلك الفترة لكنت في طريق البحث عنها، الوظيفة لم تكن أكبر كذبة كما تقول بل هي نعمة من الله اختصنا بها دون غيرنا، فهي أكبر نعمة قضينا فيها زهرة شبابنا بين مطالعة وتصحيح معلومة، وغرس مفاهيم في أذهان تلاميذنا وطلابنا.

 عزيزي ناصر لم ينم غيرك إلا وهو يفكر في هذا الحلم الذي مازال ينتظره ويحلم به، لأنه لم يجد وظيفة ولا عمل للقيام بمتطلبات الحياة، ولم ينم الذي بلا وظيفة هادئ البال مثلنا نحن الذين ننام على مكاتبنا ونحن نحضر درسًا لطلابنا، ونحن نعلم أن صاحب البقالة سيمنحنا متطلبات الشهر معتمدًا على الراتب الذي نتسلمه من وظيفتنا، فما أسعدنا عندما نرى ثمرات جهد السنين في اكتساب المعارف لتلاميذنا وطلابنا، وكذا استقرار حياتنا، فالوظيفة ليست غلطة بل هي توفيق من الله أن يجعلك معلمًا الخير للأجيال، فيتخرج من بين يديك أصحاب المهن، ومن يقرأ القرآن، ويفهمه، ويستوعب معانيه، فالوظيفة نعمة عظيمة نسأل الله أن يعيننا أن نقوم بحقها، فمتى كان تعليم الناس غلطة.

 الوظيفة ليست عبودية، وإنما وسيلة للمشاركة في بناء المجتمع، فأنت تعلم ابن التاجر، والتاجر يوفر لك مستلزمات الحياة، فالحياة تكاملية، فإن كان تعليم الناس عبودية فحيا على العبودية، ولو عاد الزمان لبحثت عن الوظيفة، وما نفورك منها اليوم إلا لأنك لم تنظر لمن هم دونك ممن يبحثون عنها، ويتمنونها، ونظرت لأصحاب الأموال والسيارات والقصور، فانظر لمن هم دونك من الباحثين عنها فلن تزدري هذه النعمة حبيبنا ناصر.

  في الكثير من الدول المتقدمة يبحثون عن الشهادة لا للوظيفة، وإنما لمزيد من المعرفة، فتراهم يلتحقون بالدراسات العليا بعد التقاعد من العمل، فما أجمل أن يكون الشاب خريجًا وعاملًا في التجارة، أو بيع العتر، فالتعليم يثري ثقافة الشخص، ويعدل في سلوكه.

 وأنا كذلك أعرف أشخاصًا توظفوا ودرسوا وشقوا طريقهم في مهن أخرى إلى جانب وظيفتهم فنجحوا في إرضاء الاثنتين، فلا تعارض في الجمع بين الأختين الوظيفة، والكسب خارج الوظيفة من عمل حر آخر غير الوظيفة.

 أخيرًا تحياتي لك أيها الموظف ناصر، وأسأل الله أن يرزقك الرضا بالوظيفة، دمت بود.