آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-03:13م

قراءة في كتاب قصة الاشراف وابن سعود

الخميس - 26 يناير 2023 - الساعة 04:35 م

د. لمياء الكندي
بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب


 

في كتابة قصة الأشراف وابن سعود يكشف لنا الكاتب العراقي علي الوردي عن جزء من التكتل السياسي الهاشمي في العصر الحديث، يستعرض لنا الكاتب في الصفحات الاولى من هذا الكتاب جزء من الهوية السياسية والاجتماعية التي تميز بها اشراف الحجاز وتطلعاتهم السياسية للحكم، وكعادتهم أي الاشراف كما يطلقون على انفسهم في الحجاز وغيرها من بلدان العالم الاسلامي او كما يطلقون على انفسهم اسم السادة في اليمن سعى هواشم الحجاز كغيرهم من مدعي النسب العلوي الهاشمي في مختلف بقاع العالم وبالخص في العالم العربي وثم الاسلامي الى خلق حالة من التمييز الاجتماعي والطبقي الذي يميزهم ويفاضل بينهم عن غيرهم من الطبقات الاجتماعية تمييزا يحاولوا من خلاله خلق نمط مجتمعي خاص بهم وفق مبدئ الافضلية، ووفقا لهذا التمييز سعوا عبر مراحل طويلة من التاريخ الاسلامي العام الى ادعاء احقيتهم في الحكم كأولوية تفرضها منطلقات عقائدية وادعاءات تم توظيفها دينيا لاكتساب الحكم ولو بالقوة، ومن هنا تبدا الحكاية.

اما عن قصة التمييز الذي استحدثه الاشراف في الحجاز ومصر فقد شمل اضافة الى العديد من المناقب الخاصة بهم التأكيد على تميزهم في الملبس، فقد تميز العباسيين بلبس العمامة السوداء الى عهد المأمون الذي استبدلها بالخضراء بعد مبايعته لعلي الرضا وليا للعهد سنة 2001 هـ ليرجع الى العمامة السوداء بعد وفاة علي الرضا، وعادة العمامة الخضراء مجددا في مصر في عهد الملك الاشرف شعبان عام 773هـ  حيث امر الاشراف بان يضع الاشراف في عمائمهم اشارة خضراء تميزهم عن غيرهم كما امر النساء ايضا بوضع اشارة خضراء في ازارهن تميزهن عن غيرهن. وكان لبسها بهدف الاستجداء او لرفع مكانتهم الاجتماعية.

ان المكانة العالية التي اوجدها الاشراف لأنفسهم ارتكزت على دعامتان: اولهما كثرة الاحاديث التي تنسب الى النبي صلى الله عليه وسلم والتأكيد على  وجوب رعاية ذريته و احترامهم، وقد ادت هذه العقيدة الى ظهور العديد من الاساطير والتقاليد غير الصالحة في المجتمع الاسلامي حسب وصف المؤلف وثانيها الاحلام " الرؤى في المنام"، التي كان من يدعي انتسابهم الى البيت النبوي يروون احلامهم في المنام على العامة ويخلقون لها طابعا من التبجيل والترهيب يلوحون من خلالها بمكانة علمائهم وفضلائهم وخصوصيتهم وعقوبة معارضتهم فكانوا ينشرون بين الناس احاديث عن رؤية النبي او فاطمة وما يلقونه منهم من عتاب ومعارضة تجاه بعض الافعال التي لم يرضوا عنها من قبل العامة.

ويذكر ابن الوردي ان اشراف الحجاز كانوا كثيرين جدا وكانوا يتفاوتون في المكانة الاجتماعية فيما بينهم، وكانت اسرة الاشراف التي تنتمي الى الشريف الحاكم قريبين من منزلة الامراء بالنسبة للأسر المالكة، اما الباقون من الاشراف فكانوا يتفاوتون بالمكانة حسب كفاءتهم الشخصية، او عصبية اسرهم، ومنهم من كانوا بدواً واصبحوا قطاع طرق يقطعون طريق الحجاج، وكان منهم من احترف الحرف الوضيعة، 
ظل اشراف الحجاز حتى القرن الرابع الهجري ليس لهم شيء من الحكم سوأ مكانتهم العالية نتيجة انتسابهم للنبي وفي عام 358هـ ، الموافق 969م، استطاع احد الاشراف الحسينيين وهو "جعفر بن الحسن"، من سلالة موسى الجون ان يؤسس نوعا من الإمارة في مكة اطلق عليها اسم "اشراف مكة" واستمرت حتى قضى عليها ابن سعود رضي الله عنه عام 1925م.

بعد وفاة مؤسس نقابة اشراف مكة جعفر بن الحسن، خلفه على شرافة مكة ابنه عيسى الذي توفي عام 384هـ ، ليخلفه اخوه الحسن الذي عرف باسم ابوالفتوح ، امضى ابو الفتوح سنواته الاولى في حروب مع الحسينيين اشراف المدينة وقاتل ابناء عمه الحسنيين في اليمن ، كان ابو الفتوح شيعيا من اتباع المذهب الزيدي وقد جاء اختيارهم للمذهب الزيدي كونه يوجب الخروج على ولي الامر لمن تتوفر فيه شروط الإمامة حسب المذهب.

كثر التنافس على شرافة مكة بين الاسر التي توارثت الشرافة وكان غالبية الاشراف حينها على المذهب الزيدي ومنهم  حميضة بن ابي نمي كان زيدي 615 تولى شرافة مكة وتنافس مع اخوته على مركز رئيس الاشراف وقد قام بذبح احدى اخوته المنافسين له ففي عام 715 هـ ارسل حميضة احد عبيدة الى قتل اخيه وقطع رأسه وطبخة في جفنه تقدم الى اخوته الذي دعاهم حميضة الى وليمة اقام فيها على راس كل منهم غلامين شاهرين السيف فاخذ منهم البيعة عنوة.
ويعتبر ابو نمي الثاني المؤسس الحقيقي لشرافة مكة، وهو جد الاسر التي توارثت شرافة مكة من عام 931 هـ، و حتى اسقطها ابن سعود عام 1925م.

وقد وضع ابو نمي   قواعد عرفت باسم قانون ابي نمي  كان تداولها سريا بين عدد محدد من الاشراف ولا يسمحون لاحد غيرهم الاطلاع عليها، ويدعي صاحب كتاب تاريخ الحجاز انه اطلع على بعض قواعد ذلك القانون منها:
الشرافة وراثية بين الاسر الهاشمية

اذا قتل الشريف اخذ من اهل القاتل او قريته اربعه حيث يقتلون قصاصا له.

صافع الشريف تقطع يده.

شاتم الشريف تقطع لسانه.

الشريف لا يحاكم في مجلس خصمه.

اذا هم شريف بقتل شريف او رفع عليه السلاح ينفى من البلاد.

لا يقتل الشريف اذا قتل غير شريف.

للشريف الحاكم ثلث دية القتيل.

ويرى الكاتب ان هذا القانون لم ينفذ حرفيا ولكنه ساعد على صيانة مكانة الاشراف وتم فرض بعض بنوده بالقوة.

الحرب مع الوهابيين: 

في اوساط القرن الثامن عشر الميلادي بدأت الدعوة الوهابية بالظهور في نجد، وبعد سنوات قليلة من ظهورها ارسل الوهابيين ثلاثين من علمائهم الى مكة لمناظرة علمائها، ويذكر ان الشريف مسعود امر علماء الحرمين ان يناظروا علماء الوهابية فناظروهم حسب كتاب خلاصة الكلام في امراء البلد الحرام"، فوجدوا عقائدهم فاسدة وكتب قاضي الشرع حجة بتكفيرهم وحبسهم،  كما امر الشريف مسعود بمنع الوهابيين من الحج وفي 1788م، تولى الشريف غالب شرافة مكة ومنها وجه حملات عسكرية الى نجد لمحاربة الوهابيين التي تعاظم شانهم فيها ولم ينجح فيها ليتفق الطرفين  على صلح بينهم عام1798م ليسمح للوهابيين من الحج.

وبعد فتح الوهابيين للطائف تمكن الامير سعود بن عبدالعزيز من فتحها بدون قتال ذلك لانسحاب الشريف غالب منها وتوجهه الى جده، وفي 8 محرم 1218هـ 30 نيسان 1803م، دخل سعود بن عبدالعزيز مكة وطاف فيها وخطب منها خطبة النصر ودعا الناس الى مبايعته.

وبعد المبايعة امر ابن سعود بهدم القباب والقبور التي كانت في مكة  وظلت الحروب مستمر ة بن  غالب والوهابيين، ففي عام 1804م قام بمحاصرة مكة فتسبب بمجاعة كبيرة فيها اضطر الناس فيها الى اكل الجلود والنوى والقطط والكلاب.

الحملة المصرية على الحجاز:

كانت محاولة استقلال ابن سعود بحكم الحجاز مثار قلق كلا من السلطان العثماني في اسطنبول واشراف الحجاز الذين تربطه معهم العديد من الاواصر التي تلتقي عند الانتماء للبيت الهاشمي وعلاقة القربى والمصاهرة والنفوذ الاجتماعي والسياسي لهم في الدولة العثمانية ومصر والحجاز والمكانة الدينية التي يستندون عليها في فرض مكانتهم وحضورهم.

اوعز السلطان العثماني محمود الثاني الى محمد علي باشا والي مصر بأرسال جيوش الى الحجاز لطرد الوهابيين منها وفي عام 1811كانت اولى حملات الوالي العثماني على مصر محمد علي باشا،  واستمرت السيطرة المصرية على الحجاز لمدة ثلاثين سنة اذ لم ينسحب الجيش المصري منها الا عام 1840م، وكان شريف الحجاز في تلك الفترة يحكم الحجاز بشكل مطلق وكان الحكم العثماني بشكل اسمي فقط.

لينشأ بعد ذلك صراع بين الوالي العثماني والشريف المكي  وظهرت المنافسة بين اشراف الحجاز للبحث عن الدعم من قبل الخليفة العثماني، حيث تحاول كل اسرة نيل ثقة الباب العالي وشهدت فترة السيطرة المصرية صراع بين اسرتين من الاشراف هما اسرة "ذوي زيد، واسرة ذوي عون".

كانت الوضاع السياسية والعسكرية للدولة العثمانية قد وصلت قبل الحرب العالمية الاولى الى وضع خطير ومتردي فقدت خلالها السلطنة العديد من مناطق السيطرة والنفوذ في شرق اوروبا اضافة الى حربها ضد الايطاليين في ليبيا عام 1911م، واشتعال فتيل الثورة العربية في الحجاز وبلاد الشام، كل ذلك مهد الطريق امام الشريف حسين ليعلن الثورة العربية الكبرى ضد ما اعتبره الاحتلال العثماني للدول العربية وطالب بحق الاستقلال لم تكن مطالب الشريف حسين بالاستقلال عن الا\ارة العثمانية مجال تفاوض بينه وبين العثمانيين بل انه كان يطمح في ان تؤل الخلافة العربية بعمقها الهاشمي واصولها القرشية اليه كونه الوحيد على الساحة من يحمل مؤهلات قيادة العرب كملك وخليفة يعد نفسه بديلا عن السلطان العثماني.

هنا انتقلت مطامع الاشراف في الحكم من شرافة مكة الى حلم عودة الخلافة والتأسيس لملك عربي جديد يمثلهم بقيادة الشريف حسين، كان الشريف حسين وابنائه وبالذات الامير فيصل الذي توج لاحقا ملكا على العراق يدرك ان أي ثورة عربية ضد العثمانيين لن تنجح بدون دعم واسناد الانجليز، وبدا عن طريق ابنه الامير فيصل كممثل له بالتفاوض مع البريطانيين حول قيادة الثورة العربية المسلحة الكبرى ضد العثمانيين.

انطلقت الشرارة الاولى للثورة العربية الكبرى من الحجاز ومن مكة المكرمة معقل حكم الاشراف وسيطرتهم  عام 1916م، اثر هجوم مسلح على احدى معسكرات التدريب العثمانية في مكة ليقوم الشريف حسين على اثر هذا الحادث بإبلاغ العثمانيين بقيام ثورته ورفضه حكمهم قائلا " ان العرب لا ترضاكم حكاما عليها واتنم في ديارهم قد اهنتموهم وعاديتموهم"، وكانت اول حامية تركية استسلمت للثورة هي حامية جده في السادس من تموز يوليو 1916م، لتتم مبايعة الشريف حسين بالملك في مكة  في 29 اكتوبر 1916م. 

في 1918 كانت قوات فيصل بين الحسين في الاردن التي تمثل الجناح الايمن للقوات الانجليزية المحتشدة في فلسطين بقيادة اللمبي، قد بدأت هجومها على القوات التركية ليبدا اثر ذلك التسابق بين القوات العربية بقيادة فيصل والانجليزية للزحف الى دمشق لتنسحب القوات التركية منها صبيحة الاول من اكتوبر 1918م، وكان ذلك ايذانا بدخول الحكم الشريفي سوريا.

واثناء احداث دمشق وبالتعاون مع القائد الانكليزي لورنس تم اقصاء اهم شخصيتين عربيتين مؤثرتين في الاحداث في سوريا هما سعيد وعبدالقادر الجزائري الذين تولا قيادة الامن وحماية دمشق  من النهب والسلب اثر انسحاب الاتراك منها ليتم التآمر عليهما من قبل لورنس، ويتم اعتقال سعيد وقتل عبدالقادر الجزائري اثر محاولته الهرب من الاعتقال وكانت تلك الاحداث تتم بأمر الامير فيصل كون لورنس يعمل تحت امرته ظاهريا مدعيا بان الاخوين سعيد وعبدالقادر قد ثارا ضد الشريف حسين.

اتفاق فيصل ويزمن

استغل الصهاينة تواجد الامير فيصل في العاصمة البريطانية لندن لتتم مقابلة الصهيوني ويزمن بالملك فيصل وتم الاتفاق بين الملك فيصل وويزمن على توقيع اتفاق على مواد تنص على القرابة العرقية والصلات القديمة بين العرب واليهود، وعلى ضرورة التعاون بينهما وضرورة ضمان تنفيذ وعد بلفور وتشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين، وحرية ممارسة العقائد الدينية، ورهن فيصل تطبيق هذا الاتفاق بنيل العرب استقلالهم أي حكمه المطلق ملك لسوريا.

وكان هذا الاتفاق بداية التفريط الهاشمي بالقضية الفلسطينية من اجل ضمان مصالح الشريف حسين وابناءه وطموحهم بالحكم، واستمرت المراسلات بين الملك فيصل والصهاينة الذين كانوا يحضون بدعم بريطاني ودولي ،وفي رسالة اخرى بعثها الملك فيصل الى الصهيوني الامريكي المستر فرنكو فورتر اكد فيها حرصه على تنفيذ بنود اتفاق ويزمن واكد على ان العرب  وخاصة المثقفين منهم ينظرون بعطف عميق جدا الى الحركة الصهيونية وابدا ترحيبه بالهجرات اليهودية الى فلسطين واستغل الصهاينة هذه الرسالة للترويج ان المشروع الصهيوني في فلسطين عبر عن رغبة عربية وتأييد عربي.

وبعد عودة الملك فيصل الى دمشق تغير خطابه وسياسته العامة حيث تخلى عن مشروع الوحدة العربية التي يفترض ان يتزعمها والده وينوبه هو واخوته في اقطار اخرى ليخطب مناديا بضرورة تحرير كل قطر عربي على حده وكان فيصل يهدف من هذا استقلال سوريا عن الحجاز بحيث لا تكون وحدة تابعة له.

كان فيصل يتطلع لحكم سوريا بعيدا عن الوصاية الفرنسية "الانتداب"، وفق اتفاقية سايكس بيكو فقام بزيارة الى باريس اتفق فيها مع الفرنسيين على ان تحترم فرنسا استقلال الدولة العربية في دمشق مقابل احترام احتلال فرنسا للبنان والساحل حتى الاسكندرونة.

كانت سياسة التفريط بالأراضي العربية نهج حاول من خلاله ابناء الشريف حسين التقرب الى قوى الاستعمار الاوربي التي تولت تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية فيما بينها ونصت المعاهدة الاخيرة بينهم على اتفاقية مؤقته الى ان يتم الاتفاق النهائي في اتفاق الصلح الذي عقد في باريس لطوي صفحة الحرب.

رفض الشريف حسين استقلال فيصل بسوريا وفصلها عن الحجاز ليتم لاحقا الاتفاق بين فرنسا والملك فيصل على الانتداب الفرنسي على سوريا، وتنسحب القوات البريطانية على اثر ذلك لصالح انتشار قوات الانتداب الفرنسية وتعيد تواجدها في الموصل، ليجد فيصل نفسه محصورا في دائرة السخط الشعبي الذي حاول مجاراته ليتم الاعلان عن تتويجه ملك لسوريا الكبرى بحدودها الطبيعية التي تضم فلسطين ولبنان في السادس من اذار 1920م.

لم تكن فترة طويلة على قيام الحكم الشريفي في سوريا حتى بدأت تظهر المحسوبية والشفاعة والوساطة في اختيار الموظفين وكانت الحاشية القريبة من الملك فيصل تحتل هرم المسؤولية الوظيفية في ادارة البلاد فكانوا يتصرفون بالأعمال والاموال كيفما شاءوا.
 
في المقابل كان لإعلان الشريف حسين من عمان عن نفسه خليفة للمسلمين اثره في سخط بعض الدول العربية منها مصر عليه والهند وغيرها كما اثار سخط بريطانيا وسخط الرجل الاهم في المنطقة عبدالعزيز بن سعود حاكم نجد الذي بدا شن غاراته على الحجاز رافضا لخلافة الشريف حسين، وكان ابن سعود يحقق بالفعل انتصارات كبيرة على الشريف حسين الذي كان يستعين في تجهيز قواته بالخبرات والاسلحة البريطانية، وكانت السياسة البريطانية تخشى على لقحام بريطانيا نفسها في مغامرة حرب في الصحراء العربية امام جحافل الوهابيين التي كانت تندفع باتجاه الاستقلال.

توترت العلاقة بين الانجليز والشريف حسين وكان الانجليز يظنون انهم قد قدموا للشريف حسين الكثير في سبيل تحقيق ملكه فقد وافقوا على كونه ملكا للحجاز وتعيين ابنه علي ملكا على شرق الاردن وفيصل على العراق، ولم يكتفي الشريف حسين اثناء مفاوضاته مع الانجليز بالاعتراف بما تحت يديه من اراضي الحجاز فطالب بضم فلسطين والعراق وان تضم عسير والحديدة في اليمن الى ملكه وان يخضع جميع الامراء العرب في الحجاز الى سلطته ما يعني انسحاب ابن سعود عن الاراضي التي سيطر عليها مؤخرا، وهو ما رفضته بريطانيا لأنها كانت على علم بضعف قوات الشريف حسين مقابل القوة التي يمتلكها ابن سعود الذي كان بإمكانه دخول مكة في غضون ثلاثة ايام ان قرر الهجوم عليها.

وصل البريطانيون الى حالة من اليأس تجاه اطماع الشريف حسين المتزايدة وتعنته بكونه لا يقبل غيره ملكا على الجزيرة العربية فبحث البريطانيون مسالة ايجاد خلفا له في المنطقة، ليصف الامير علي اباه بالجنون ويتفق مع اخوه الامير زيد على اقالة والهما الشريف حسين من ملك الحجاز، وفي الرابع من ابريل 1922م، كتب القنصل البريطاني في الحجاز رسالة الى الشريف حسين يبلغه فيها بشكر بريطانيا له بتنازله على العرش مما يعني محاولة بريطانية لإرغامه على التنازل وكانت هذه بداية التحول الفعلي لخلع الشريف حسين عن ملك الحجاز.

كان ابناء الشريف حسين يضيقون بتعنت ابيهم ومطالبه فدخلوا في خلاف معه وبالذات الملك فيصل ملك العراق الذي كان يؤمن ان السياسة فن الممكن وان باستطاعتهم الحفاظ على ما تحت ايديهم بخلاف سياسة والده التي كانت تقوم على مبدئ القبول بالكل او التخلي عن الكل.

في المقابل كان عبدالعزيز و بن سعود يحشد امكانياته ودهائه السياسي وخبراته في احكام الخناق على الشريف حسين الذي اعلن بعد سقوط الدولة العثمانية والاعلان عن استقلال جمهورية تركيا عام 1924م، نفسه خليفة للمسلمين.

وجد ابن سعود الفرصة مؤاتيه له للسيطرة على الحجاز عقب اعلان الشريف حسين لنفسه خليفة على المسلمين ليقوم في الخامس من مارس 1924م ، ليتم اثر ذلك تجهيز جيش بقيادة ابن سعود حددت له وجهتان الاولى الى الحجاز والثانية الى شرق الاردن للقضاء على سلطة الشريف حسين، وتعرضت قوات ابن سعود لمذبحة كبيرة في شرق الاردن على ايدي القوات الانجليزية التي كانت متواجدة فيها ليتم انسحابهم منها، اما الرتل الموجه الى الحجاز ليحقق ابن سعود اول انتصاراته الكبيرة وتتم سيطرته على الطائف وكان الشريف حسين يظن ان الانجليز سوف يتدخلون لمنع ابن سعود من السيطرة على الطائف لكنها التزمت الحياد.

تسبب انتصار ابن سعود بدخول الاشراف مفاوضات عزل الشريف حسين مع بريطانيا والاتفاق على تعيين ابنه الامير علي ملكا خليفة لوالده ليتم اثر ذلك تنصيب علي ملك للحجاز وفي الاول من اكتوبر تم تنصيب علي ملكا ليغادر الشريف حسين مكة متجها الى جده مخلفا مملكة تعيش حالة من الضعف والخور الذي لا يضمن بقائها وفي الخامس عشر من اكتوبر غادر الشريف حسين الحجاز بشكل نهائي متجها الى قبرص وبهذا الخروج تنهي امال الشريف حسين في الخلافة والملك.

لم يستمر ملك علي ابن الحسين في مكة اكثر من اسبوع ليغادرها منسحبا مع قواته الى جده ويدخل ابن سعود مكة ليتم اثر ذلك الاعداد للمعركة الاخيرة في جدة ليخوض الجيش الهاشمي في 14 مارس 1925  اكبر معركة حول جده، لتشهد جده اثناء شهور الحرب مجاعة وشدة كبيرة وانقسم فيها الاعيان الى قسمين قسم هاشمي الهوى واخر عربي الهوى كان يؤيد استلام ابن سعود لها، وفي السادس من يناير 1925 اقر الملك علي بهزيمته امام ابن سعود وقرر الانسحاب من جده، وتسليم البلاد لابن سعود، وفي صباح ال 22 من يناير 1925م، غادر الملك علي جده على ظهر باخرة بريطانية، ليتم في السابع من يناير 1926 مبايعة عبدالعزيز ابن عبدالرحمن ال سعود ملك على الحجاز عند باب الصفا في مكة المكرمة لتبدأ مملكة ال سعود التي كان من ابرز مأثرها هبوط مكانة الاشراف بحيث صاروا لا يتميزون عن غيرهم بشيء وربما اتجه بعض العامة الى اهانتهم نتيجة ما سلف منهم وبذلك تنتهي فصول السيطرة الهاشمية العلوية على الحجاز الى الابد وتطوى صفحة الصراع والادعاءات الهاشمية فيه بالحكم.

ودمتم بخير.