آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

المجرب لا يُجرب.

الإثنين - 09 يناير 2023 - الساعة 09:32 ص

محمد سالم بارمادة
بقلم: محمد سالم بارمادة
- ارشيف الكاتب


الحياة تجارب والتجارب تخضع للنجاح أو الفشل، ومن هنا تكتسب التجارب أهميتها بيد إن التجارب تشكل رصيداً ضخماً من الإنتاج الفكري والحضاري للفرد والمجموعة. وقد قيل قديماً: "مَنْ جرّب المجرّب حلّت به الندامة" ولذا فمن العبث أن تجرّب تجارب فاشلة، أو أن تبدأ من حيث بدأ الآخرون، بل عليك أن تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون، لأنّ هذا هو الطريق الأفضل لاختزال المسافة .

ومن حديث التجارب: تجربتنا للأسف الشديد في جنوب اليمن أو ما يسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع نظام الحزب الاشتراكي والذي حكم جنوب اليمن منذ عام 1967م وهو العام الذي استقل فيه الجنوب عن الحكم البريطاني وحتى قيام دولة الوحدة عام 1990م , وخلال هذه الفترة مر الجنوب بعدة منعطفات وصراعات دموية بين الرفاق , كما  أصبح قاعدة للنفوذ السوفيتي في المنطقة وعاصمة لحركات التحرير العربي و ملاذاً للتنظيمات الشيوعية في الشرق الأوسط , وتسيدت النجمة الحمراء المشهد وجعل شعار «لا صوت يعلو على صوت الحزب»، أي الحزب الاشتراكي اليمني، جعل أذان المؤذنين يخفت، حتى وإن اعتبر الإسلام كدين للدولة .

لقد أصبح اليمن الجنوبي معقلاً ثورياً يستقبل المناضلين القادمين من شبه الجزيرة العربية وقام النظام بتسليح حركات المعارضة المناوئة للسلطات القائمة لاسيما لدى جيرانه المباشرين، أي الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وسلطنة عمان في الشرق , وأصبحت عدن عاصمة الشيوعية العربية وقاعدة خلفية للفلسطينيين، لأنها كانت تحظى بحماية سوفيتية ، وهي عنصر استقرار لنظام تتهدده الصراعات القبلية والذي تعرّض لضربة قاضية أثناء النزاع العنيف بين تياري الحزب الاشتراكي اليمني عام 1986م .

لقد عانى جنوب اليمن من التصرفات الطائشة لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ومنها على سبيل المثال لا الحصر التصفيات الجسدية لبعض رموزه , ولعل طائرة الدبلوماسيين الجنوبيين التي تم تفجيرها في السماء اكبر دليل على صحة ما أقول  .

أخيراً .. من الطبيعي إن الذين جربناهم لا يجوز تجربتهم مرة أخرى , فحتى لو افترضنا، ومن قبيل إن فرض المحال ليس بمحال ، أن المجرَّب الذي أثبتت التجربة عدم جدارته، لا يجوز أن يجرب مرة ثانية فالمجرب لا يجرب والحليم تكفيه الإشارة , والله من وراء القصد .