آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-05:10م

القمة المثيرة .. جانب من المشهد !!

الثلاثاء - 13 ديسمبر 2022 - الساعة 03:21 م

محمد الثريا
بقلم: محمد الثريا
- ارشيف الكاتب


وصل معطى القمة السعودية الصينية حد وصفه من قبل قيادة البلدين بالتطور التاريخي في علاقة بكين والرياض، وأحيانا في علاقة الصين والدول العربية عموما .
فهل تبدو السعودية اليوم بالفعل، في مهمة نقل الكفالة الدولية كليا أم في رحلة البحث عن إرخاء قيود العلاقة الإستراتيجية مع الحليف التاريخي"أميركا" وحسب؟

ربما من الجيد أن توسع الرياض دائرة تحالفاتها الدولية، لكن سيبقى من غير السليم إستبدال السعودية لحليفها الأميركي بحليف أخر على الاقل على المدى المنظور . حيث أنه ولعدة إعتبارات أهمها الإعتبار الأمني، لايمكن للسعودية تحت أي ظرف أن تتجاوز حدود العلاقة الإستراتيجية مع واشنطن، كما لازال من غير الممكن أيضا تحجيم تلك العلاقة حتى وأن كان ذلك بداعي التوتر المتزايد في علاقة البلدين، والذي باتت تجسده بوضوح تصريحات مسؤولي الحكومتين تجاه بعضهما في الآونة الأخيرة .

وهنا أرى أن محاولة تفسير كثيرين لمعطى القمة السعودية الصينية الأخيرة وتوجه السعوديين مؤخرا صوب تطوير العلاقة مع بكين على أنها مؤشر إحلال حليف الشرق موضع حليف الغرب إنما تعد تفسيرا قاصرا لطبيعة ذلك المعطى والتطور .

قبل موعد إنعقاد القمة السعودية الصينية بأيام كانت البحرية الأميركية قد أعلنت عن إحباط عمليتي تهريب متجه للحوثيين؛ تمت العمليتان في أقل من عشرين يوما فقط .
كانت العملية الأولى في منتصف نوفمبر الماضي حيث أسفرت عن إعتراض سفينة حملت على متنها مواد متفجرة ووقود صواريخ يكفي لإطلاق عشرة صواريخ بالستية (متوسطة المدى) حسب البيان الأميركي، فيما أسفرت العملية الثانية مطلع ديسمبر الجاري عن إعتراض سفينة صيد حملت 50 طن من الذخيرة وصمامات وقود الصواريخ، وفي بيان العملية تلك أكدت قيادة البحرية الأميركية بأنها لن تتخلى عن دورها ك(قوة ردع) في مواجهة العمليات الخطيرة وغير المسؤولة .

لقد جسدت العمليتان تلك من حيث التوقيت والمحتوى رسائل واشنطن المباشرة بشأن الرغبة السعودية المندفعة نحو التنين الصيني  مؤخرا، تفحص جيدا مغزى مابين القوسين أعلاه وستدرك حينها "من المقصود، ولماذا"؟

عموما، أظن أن السعوديين قد التقطوا الإشارة وفهموا مغزى الرسالة الأميركية جيدا، حيث أكد وزير الخارجية السعودي على إثر ذلك وتحديدا خلال جلسة حوار بمؤتمر السياسة العالمية في أبوظبي امس الأول أنَّ علاقات بلاده مع الولايات المتحدة قوية جداً مع كل الإدارات سواء جمهورية أو ديمقراطية، وقال: «أعتقد أنَّ المصالح هي التي ستبقى مستمرة وقوية في المستقبل في مجالات التعاون بين المملكة والخليج مع الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أنَّ دور واشنطن «هام... وتستمر في لعب هذا الدور خاصة من الناحية الأمنية».

سيتضح غالبا أن تصريحات الوزير السعودي قد جاءت على نحو واقعي لغرض طمأنة الجانب الأميركي المنزعج، لكنها أيضا لم تخل من شمولها دلالة أخرى تتعلق بمحاولة تقليل السعودية من إثر تطوير علاقتها مع الصين على مستقبل العلاقة الإستراتيجية التي تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية، بل والتأكيد على ذلك؛ لاسيما حين وصف الوزير السعودي خلال ذات الحديث الولايات المتحدة بأنها من أقدم حلفاء بلاده .

وفي غمرة المتغيرات الدولية الطارئة سيبدو حقا أن السعودية باتت اليوم في حاجة ماسة إلى خوض لعبة التوازنات وتنويع العلاقات والتحالفات بإحترافية وحذر كبيرين، وبخاصة أنها لازالت تعد أكثر دول المنطقة عرضة للتهديدات الخارجية، والأقرب جغرافيا إلى مناطق أزمات الشرق الأوسط المشتعلة، وهذا وحده يكفي لأن تعيد الرياض حساباتها مرارا قبيل التفكير بأي خطوة من شأنها إثارة حفيظة القوة الدولية الأكثر تأثيرا لدى ملفات المنطقة ..

ولعل تأكيد الوزير السعودي قبل أمس عدم وقوع بلاده في متاهة الإستقطابات قد عكس جانبا من حذر السعودية الواضح، وربما جزء مهما من حقيقة إستيعابها المستدرك لأهمية حفظ متطلبات إستمرار العلاقة المتوازنة مع جميع الأطراف الدولية بصورة مقنعة، إلى جانب ضرورة مواكبتها لطبيعة المتغيرات العالمية برؤى مدروسة .