آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

نفاق الأحزاب اليمنية

الثلاثاء - 06 ديسمبر 2022 - الساعة 07:17 ص

مصطفى النعمان
بقلم: مصطفى النعمان
- ارشيف الكاتب


مرت سبعة أشهر على تعيين "المجلس"، كان من المفروض أنه تمكن خلالها من تثبيت أوضاعه القانونية والإدارية في عدن، كي يتمكن من الالتفات إلى المهمات التي أنيطت به، بحسب إعلان السابع من أبريل (نيسان) 2022، الذي كلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحدد له مهمات، من ضمنها (إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية).

على رغم الوضوح في التكليفات فإن "المجلس" لم ينجز أياً من المهمات المناطة به، وإذا كان من الممكن التجاوز عن غموض ما تقوم به "هيئة التشاور والمصالحة" و"اللجنة الاقتصادية"، لأسباب تتعلق بتداخل أعمالهم مع هيئات ومؤسسات دستورية قائمة مثل مجلسي النواب والشورى، كذلك وزارات المالية والتخطيط والبنك المركزي، فإنه لا يجوز الصمت عن بقاء مجلس القيادة الرئاسي من دون إطار قانوني ينظم عمله، كي يتمكن المواطنون من فهم كيفية عمل الأعضاء ودورهم السياسي والإداري وامتيازاتهم المادية، وتالياً مراقبة نشاطاته.

وقد تبدو هذه القضية غير ذات أهمية عند كثيرين، لكن خطورتها في أن استمرار هذا الوضع المبهم سيبقي مشروعية "المجلس" تحت مجهر التشكيك في قدرات أعضائه على العمل المنظم والإنجاز.

إن الإصرار على تجاهل وضع لوائح منظمة ومقيدة لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة هو خلل دستوري يعطل تفعيل مبدأ الشفافية والمحاسبة، فتصبح التسريبات والإشاعات هي المسيطرة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

خلال الأيام الماضية، هيمنت على وسائل الإعلام الأهلي وشبكات التواصل الاجتماعي في اليمن قضية رأي عام كان الناس يتناولونها منذ سنوات، لكنها بلغت سقفاً عالياً ما عاد الصمت معه ممكناً، وهي قد تبدو لغير اليمنيين مسألة غير ذات شأن عظيم، لكنها محلياً تعني الكثير، وهي تجربة لمدى اهتمام "المجلس" بما يقول المواطنون ويشعرون به.

صحيح، أن تجاوزات وفساداً كانت تحدث في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، لكن الأجهزة الرقابية مثل مجلس النواب والأحزاب والصحافة، كانت تتناول صراحة كل السلبيات وكل ما هو غير قانوني، لكن ما حدث، خصوصاً منذ 2015، فاق كل مقاييس العبث المالي والإداري الذي عرفه اليمنيون، وصمتت الأحزاب لأنها صارت شريكة في ممارسة الفساد والاستفادة منه والتغطية عليه وعلى العبث الذي ضرب كل مفاصل المؤسسات، وزد على هذا جرى تشكيل فرق إعلامية من المطبلين تنفق عليها الدولة لتغطي على كل الاختلالات، بل وتروج لها.

قبل أيام، تسربت قوائم بأسماء طلبة مبتعثين إلى دول شتى وموظفين في البعثات الدبلوماسية، كان من ضمنها عدد كبير من أبناء وأقارب لمسؤولين كبار، والأمران يحملان في طياتهما نموذجاً للفساد المالي واستغلال السلطة، وتجاوزاً لكل المعايير القانونية والأخلاقية، وما جعل الأمر يثير غضب الناس وسخطهم هو أن الذين استفادوا من هذا العبث هم أبناء وأقارب قادة حزبيين ومسؤولين كلهم لديهم قدرة الإنفاق الذاتي، وكانوا هم أنفسهم من الذين رفعوا اتهامات الفساد ضد العهد السابق (أقصد عهد علي عبدالله صالح).

وبطبيعة الحال، فإن الحصول على الوظيفة العامة والمنحة الدراسية والعلاج المجاني هو حق أصيل لكل مواطن طالما كانت ضمن الأطر القانونية التي تحدد كيفية الوصول إليها، لكن ما ليس مقبولاً أخلاقياً ولا مفهوماً إنسانياً هو الجرأة التي تسمح من دون وجه حق بحصول مقتدر على حقوق مادية لأولاده أو أقاربه على حساب مواطنين لا يستطيعون الإنفاق على أبنائهم، والأكثر سوءاً هو كسر كل القوانين المعروفة علانية من أجل مكسب مادي بخس.

لقد أظهرت الكشوفات المسربة حجم الانهيار الأخلاقي الذي سيطر على العمل العام منذ 2015، وعدم الاكتراث بالرأي العام، ومشاعر الناس والمال العام، وعلى رغم أن رئيس "المجلس" قد أصدر قبل يومين توجيهات لتصحيح الأوضاع فإن ذلك بحد ذاته غير مقنع وغير كاف قبل اتخاذ إجراءات تنفيذية، فقد جرى عبث غير مسبوق في التعيينات في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وجرى معظمها خارج كل النظم الإدارية والقانونية والمعايير الأخلاقية كما صدرت قرارات سابقة لمعالجة هذه التجاوزات وتشكيل لجان للتحقيق من دون أن يجري اتخاذ إجراءات فعلية.

إنني حين أتناول هذه القضية فإنما من باب التدليل على حجم النفاق الذي أصاب الطبقة السياسية اليمنية والتناقض الفاضح بين ما تعلنه وما تعمله، وسيبقى الجميع في انتظار قرار بتشكيل لجنة مستقلة تقدم تقريراً شفافاً معلناً للرأي العام، مع ملاحظة أن لجنة سابقة قدمت تقريرها إلى مجلس الوزراء أوضح حجم العبث وتضخم أعداد المبتعثين إلى السفارات دونما حاجة حقيقية سوى مجاملة قادة حزبيين ونافذين، فصارت دوراً للرعاية الاجتماعية على حساب الكادر الدبلوماسي الحقيقي الذي لم يحصل العاملون فيه على فرصهم وحقوقهم.

رئيس "المجلس" يقف أمام اختبار عسير سيعطي المؤشر عن جديته في وقف النزيف المالي والفساد الإداري، وهو وحده سيتحمل المسؤولية كاملة، وإلا تذكر اليمنيون قصة (النباش الأول) فيترحمون عليه.