آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:05م

لِمَاذَا حنينًا للاسْتِعْمارِ؟! ( 1-2)

الثلاثاء - 29 نوفمبر 2022 - الساعة 08:36 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


 " أنا عندي حنين" غنّت فيروزُ وأطّربت؛ إنما لم تكُن تعرفُ " لمين"؟!... وحنين أقوامٍ بعد أنْ كان لمزًا وهمسًا؛ صار جهرًا وزعيقا وعويلا!... بريطانيا كانت أرحم منكم يا (....).

       أحدهُم يؤدّي التحيةَ العسكريةَ بإجلالٍ لصورةِ الملكةِ المرحومة وخشوعٍ ؛ وامرأةٌ حمّالة لصورتِها وشعارِ التاج البريطاني والكومنولث تطوفُ شوارعَ عدنَ ...أزعجت التقاطعات الرئيسة رغم صمتها و وقارها! مناضلةٌ أنتِ يا سيدتي؛.. لكن عاكسة للخط! 
            لا تملّ ولا تكلّ وعلى عينك يا(......) 
    قبلَهم يخرجُ سليلُ السلاطين المجاهد من عدن/أبين جهاراً مترحِّمًا نهاراً بأسفٍ على أيام الاحتلال البريطاني، وحنينه الشديد لعودة الانجليز مرة أخرى لبلاده، رافعا أعلامهم؛ وزاد رفع علم أمريكا!

   هذا ليس بالغريب على ابن سلطان أسقطه الرفاقُ مستبيحين جاهه وهيلمانه ؛ إنما العجب أن يصير الأمرُ ثقافةً ومزاجاً انتقل إلى أدبيّات النخبةِ؛ لنجدَ ما يشبه الإقرار بالذنب والاعتراف بفضائل الاستعمار في الخطاب السردي من نحو ( ستيمر بوينت) للزين ( وبخور عدني ) للمقري! وغيرهم؛ أدباءٌ لهم وزنهم الثقافي ونقاد وأكاديميون؛ وهذه أمّ المصائب.

  رحم الله ذلك الزمنَ حيث الثوار الأفذاذ المغامرين وإن كانوا أنصاف مثقّفين وأنصاف شعراء وأمميين، سننظر لهم في سياقهم والمدّ الثوري وحركات التحرُّر، والقومية والاشتراكية و"كلنا ثوار وكلنا أحرار"

    فنواياهم كانت صادقة نقية ماذا لو رأوا وسمعوا هذا الحنين للمحتل ... الحنين للمستعمر؟! ...   ( حنين أمّك واااثابت  ) 
    ... من أسوأ كوابيس الرفاق ... رؤية بني جلدتهم يتملقون للمحتل أو يداهنونه ولو مجرّد الشك فالتهمة جاهزة ( رجعي/ عميل) حتى صاحب المزهر الحزين " لطفي أمان اتّهموه وخوّنوه كانوا يلمزون أنّ لطفي كان يحنّ للاستعمار وإلا لماذا مزهره حزين؟ وزادوا باتهامه في أخلاقه. والحال نفسها مع آل لقمان وكل المثقفين الذين وسموا بالرجعية ...

    كم عبث بنا الرفاق سامحهم الله! وكانوا سببًا في الحنين للاحتلال؛ ولسان حال الناس كالمستجير من الرمضاء بالنار وعقب كل ثورة وانقلاب وحتى وحدة تزداد الأوضاع سوءًا ... قد كفر الناس بالثورة والثوار والوحدة والقومية والاشتراكية  وآمنوا بالاستعمار مخلِّصًا ومُنجيا!

    يتوِّجها المزاج الشعبي بمقولة صارت مثلا ( سلام الله على بريطانيا) قبل أن تُجيّر إلى ( سلام الله على عفاش) وكلها فلسفةُ حنينٍ لماضٍ رغيدٍ؛ أو كذلك توهّمُوه مقارنين.

 حتى تلكُمُ الشعوبُ التي كانت تفكر بالاستقلال أو على موعد استحقاق له لما رأت ما حلّ بغيرهم من الشعوب المتحررة اتعظت لنفسها واعتبرت وكان استقلال الدول في منتصف القرن الماضي درساً لها

      لذا وخوفا من المجهول مؤخرا لم يصوَّت سكان جزيرة كاليدونيا الجديدة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ  لصالح البقاء تحت الوصاية الفرنسية حبا في فرنسا، وهذا الأمر لا يعد سابقة في السياسة الدولية. 
   
هناك سوابق أخرى حديثة حتى في قلب أوروبا. أبرزها استفتاء جبل طارق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، حيث رفض خلاله السكان مجرد تقاسم السيادة بين بريطانيا وأسبانيا ناهيك عن الاستقلال عن التاج البريطاني.

 ماذا حدث يا سادة؟  كي نرتد على أعقابنا وأصبحنا نُسَبِّحُ الاستعمار ونلهج بالثناء عليه!  

 نوفمبر المجيد أفرغ من محتواه ؛ وما بقيَ سوى العطروش يصدح ( برع يا استعمار ...  برع يا استعمار دون أن يمتلئ  بها الجيل الصاعد معنىً وتاريخًا وفهما.

     هذا ما يسميه المفكر الجزائري مالك بن نبّي بظاهرة ( القابلية للاستعمار) التي تنبّا بها قبل أكثر من نصف قرن وفي ضوئها سيتم الموضوع بإذن الله