آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-03:58م

حضرموت بين المدنيّة والقبيلة (1)

الخميس - 10 نوفمبر 2022 - الساعة 02:26 م

محمد أحمد بالفخر
بقلم: محمد أحمد بالفخر
- ارشيف الكاتب


القارئ الجيد لتاريخ حضرموت منذ عصور ما قبل الميلاد والى صدر الإسلام يجزم أن الأمة الحضرمية لم تنكفئ على الثقافة القبلية المنغلقة والمحدودة الفكر بل كانت مثالاً للمدنية في أروع صورها فكانت حضرموت بوابة للتجارة العالمية فعلى شواطئها كانت ترسو السفن التجارية القادمة من الصين والهند والسواحل الافريقية والمحملة بأنواع التوابل وغيرها،

 فتنطلق قوافل التجار متجهة شمالاً مروراً بالممالك اليمنية وبمناطق نجد والحجاز باتجاه العراق والشام ومنها الى بلدان الاغريق والرومان وخاصة أن الأخيرتين سوقاً للمنتجات الحضرمية من البخور والمُر واللبان وهي المواد التي تمثل الاستهلاك اليومي لمعابد الاغريق والرومان في ذلك الوقت لأنها تدخل ضمن طقوس الكهنة وشعائرهم.

كذلك إذا نظرنا الى الزراعة في حضرموت وهندسة الري العجيبة في تصريف مياه السيول والأمطار بما يكفي كل الاراضي الزراعية وفق مساحاتها ووفق الأولوية وغير ذلك في كافة أودية حضرموت والتي مازالت قائمة حتى اللحظة تدل على عبقرية الانسان الحضرمي التي وهبه الله إياها وكذلك الهندسة العمرانية في المباني،

 وكذلك عرفت الصناعات الحضرمية وشهرتها بين العرب وخاصة البُرَدة الحضرمية والجنابي الحضرمية، كل تلك الأمور تدل على مجتمع مدني متحضر ومستقر لا تتنازعه الصراعات والحروب البينية.

وإذنا نظرنا الى الحالة الحضرمية مع بزوغ فجر الدعوة الإسلامية سارع أقيال حضرموت بالإيمان بها وقَدِمَ أقيال حضرموت الى المدينة وهم الملوك فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم بمقدمهم وفرش بردته لوائل بن حُجر الحضرمي رضي الله عنه وأجلسه بجواره وأكرم وفادته ودعا له ولعقِبه بالبركة، وعندما تهيأت جيوش الفتح الإسلامي للانطلاق في اتجاه العراق والشام ومصر وشمال افريقيا كان الكثير من أبناء حضرموت في مقدمة الصفوف، واستقر الكثير منهم في البلدان التي وصلوا اليها وساهموا مع أبنائها بالنهوض بهذه المجتمعات وهذا ايضاً يدل على الثقافة المدنية للمجتمع الحضرمي والذي كان عماده قبيلتي حضرموت وكنده وبعض القبائل الحميرية، 

وإن كانت من سلبية حدثت داخل حضرموت جراء التحاق الكثير من الحضارم بجيوش الفتح هي التفريغ السكاني لحضرموت وبالتالي انحسار الاعمال التجارية والزراعية والصناعية وغيرها 

وتكرر الأمر في القرن الثاني الهجري بعد مغامرة آخر ملوك كنده الامام عبد الله بن يحيى الكندي الملقب ب(طالب الحق) الذي كان يحلم بإشاعة العدل والمساواة في المجتمعات المسلمة بعد تفشي مظالم بني اميه في آخر عهدهم  وكان يهدف الى اسقاط مركز حكمهم في دمشق ، 

لكن جيشه انكسر بعد أن تجاوز المدينة المنورة في اتجاه الشام، فلم يكتفي جيش بني اميه بقيادة عبد الملك بن عطيه بانتصارهم الذي حققوه بل سار الى حضرموت التي انطلقت منها الثورة وأسرف في القتل هناك وبعد مقتله خلفه شعيب البارقي جازاه الله بما يستحق فتمادى وجيشه في الاجرام فلم يترك حتى الحوامل اللواتي بقر بطونهن وأحرق النخيل والمزارع، 

فكان هذا التفريغ الثاني للسكان في حضرموت،

وكانت ثالثة الأثافي على يد الطاغية معن بن زائدة الذي ولّاه الخليفة العباسي حكم اليمن فقُتِلَ أخاه في حضرموت فقاد جيشاً جراراً وارتكب جريمة إبادة جماعية تجاه الحضارم حيث بلغ عدد القتلى كما تقول بعض المصادر حوالي عشرون الفاً،

وهنا كان التفريغ الثالث للسكان، وبعدها أصبحت حضرموت لا بواكي لها فقَدِمت اليها قبائل وطوائف متعددة من بلدان أخرى واستوطنت حضرموت وقطعاً لم تأتي تحمل معها الورود والرياحين لحضرموت وأهلها. 

وللموضوع بقية بإذن الله.