آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-07:11م

العابرون

الأربعاء - 02 نوفمبر 2022 - الساعة 12:00 ص

محمد عبدالله الموس
بقلم: محمد عبدالله الموس
- ارشيف الكاتب


تشتهر كثير من بقاع الارض بانها محطات عبور، بعضها أخذ هذه الشهرة منذ زمن بعيد وبعضها اكتسبها حديثا، وبعضها فقد صفته كمحطة عبور وبعضها لا زال يحتفظ بها، لكن التاريخ والجغرافيا لا ينسيان هذه الاماكن فيما يتم نسيان الكثير ممن مرّون فيها.

في حياة الناس هناك اشخاص عابرون، واشخاص خلدهم التاريخ، فكم مرت على هذه البسيطة انظمة ودول على مر آلاف السنين، وكم زعماء ووزراء وحجاب وحتى قضاة وعساكر حكموا وتسلطوا، لكن التاريخ لم يخلد ايا منهم، لأن كثير منهم كانوا مجرد اناس (عابرون) اكلوا زادهم ورحلوا.

يذكر التاريخ، قديمه وحديثه، اولائك الذين حفروا اسمائهم في صفحاته بأحرف من نور، وصنعوا مآثر حميدة غيرت حياة شعوب ونقلتها من حال الى حال افضل، لعلنا نذكر منهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، واضع لبنات دولة الامارات العربية المتحدة التي ينعم في ظلها المواطن الاماراتي بالحياة الكريمة القريبة من حد الكمال، ونشهد اليوم في المملكة العربية السعودية الانتقال الى طور جديد من النهوض الذي يقوده الامير محمد بن سلمان على طريق الملك المؤسس، ونذكر في هذا التناول السلطان قابوس سلطان عمان واضع لبنات سلطنة عمان الحديثة.

ولعلنا نذكر من اولائك الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا، او الرواندي بول كيجاما، الذين نقلا بلديهما من الصراع العرقي والتمييز العنصري الى وطنين للتعايش والنماء واصبحا مصدر إلهام لشعبيهما وقدوة يستلهمون منها حتى نوعية ملبسهم.

وهناك طغاة ذكرتهم بطون كتب التاريخ في صفحاته السوداء لا فائدة تذكر من قرأت تاريخهم الا للاتعاظ والعبرة، عاشوا زمنهم ورحلوا تحفهم لعنات شعوبهم.

لسنا في هذا التناول بصدد سرد تاريخي لعظماء وطغات الازمان، فهذا كثير على مجرد مقال صحفي، لكن تحضرني قصيدة لشاعر امريكي توصف الحياة بأنها طريق مزدوج في غابة تجعل الانسان في لحظة ما يحتار اي طريق يختار، ويعجز ان ان يجرب كلا الطريقين، وحين يختار احدهما لا يستطيع العودة لأن الطريق ياخذه الى طرق فرعية متعددة، وهذان الطريقان هما طريقا الخير والشر.

ويقال ان قصيدة هذا الشاعر يتم ترديدها في كل حفلات التخرج في الجامعات الامريكية.

وفي الجنوب، عاصر جيلنا كثير من (العابرين) بعضهم غادر هذه الدنيا، وبعضهم ذهب لاحضان (الرجعية العربية) وبعضهم اختار كنف (الاستعمار البغيض) وبعضهم قاتل ضد وطنه، وكلهم يشملهم قاسم مشترك واحد وهو انهم اسسوا ل(ثقافة الصراع) التي نتجرع سمها حتى اليوم.
لكن شعب الجنوب لم ولن ييئس من الحلم بوطن يحتضن كل أبناءه، وسنردد مع هذا الشعب الأبي قول الشاعر محمود درويش:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.

عدن
٢ نوفمبر ٢٠٢٢م