آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:44م

الهوية المغدورة

الأربعاء - 26 أكتوبر 2022 - الساعة 11:03 ص

محمد عبدالله الموس
بقلم: محمد عبدالله الموس
- ارشيف الكاتب


لم نقرأ في التاريخ عن غدر تعرض له وطن وشعب وهوية وتاريخ كما تعرض له الجنوب العربي، ولا زال نفر من أبناء الجنوب العربي يمعنون في الغدر بوطنهم وبهويتهم وبمصير شعبهم بنفس خناجر الغدر التي ذهبت بالجنوب العربي الى حيت القت برحلها ام قشعم.

يستند هؤلاء في ما يكتبونه الى ما يتوهمون انه تاريخ، مع اننا نعلم  وهم يعلمون ان القصاصات الورقية المتبقية في (المقر) تحوي تاريخ مزور كتبه المنتصر، تسقط منه وريقات الطرف المهزوم بعد كل دورة صراع من تلك الصراعات التي عصفت بالجنوب منذ ما قبل الاستقلال عن بريطانيا حتى اليوم، حتى ان احدنا يصاب بالدهشة والضحك معا حين يقول احدهم انه عاد للبحث في التاريخ الحديث، يشعرك بانه عاد الى (دائرة المعارف البريطانية).

لو تفحص هؤلاء (المستكتبون) كتاب التربية الوطنية في مناهج سلطة 1994م التي جاءت بعد سطو الجنوب لوجدوا ان التسمية التي تم اطلاقها على الرئيس البيض ورفاقه هي قوى الردة والانفصال، وهي تسمية أطلقت على كل جنوبي فيما بعد، مع ان أبناء الجنوب هم من ذهب إلى الوحدة، ولم تخلو وثائق حكام صنعاء من وصف الرئيس هادي بالخائن مع انه من سلم الجنوب لعفاش ليقوم بصرفه كاراضي لاصحابه ومحازبية بالكيلومترات، الغريب انهم لا يطلقون اي إساءة لأي من وقف مع هادي من العربية اليمنية.

اما وريقات تاريخ الجنوب فحدث ولا حرج، فقد أصبح الرئيس قحطان الشعبي يمين رجعي والرئيس سالمين يسار انتهازي والرئيس علي ناصر يمين انتهازي وأصبحنا بالنتيجة طغمة وزمرة، وتم طمس ذكر كل هؤلاء من التاريخ الحكومي في الجنوب بما في ذلك باقي القوى الوطنية الجنوبية كحزب رابطة الجنوب العربي وجبهة التحرير وغيرهما الكثير من القوى والشخصيات الجنوبية، حتى سلاطين الجنوب، تم نزع رداء وطنيتهم وإلباسهم صفات لم تكن فيهم يوما، فعن اي تاريخ تتحدثون؟ وفي اي تاريخ تبحثون؟

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد حدث لغط وتباين في الرؤى خلال الحديث عن آخر ذكرى عشناها لثورة 14 أكتوبر، وبرزت بعض الآراء تصدح من لندن دفاعا عن ثورة اكتوبر، وهو حدث وطني لم يكن معلقا او لقيطا، بل كان امتداد لحركة وطنية جنوبية ضد الاحتلال لم تتوقف، ومع ذلك فقد علقت مازحا على صديقي المناضل اللندني (طردتم بريطانيا وذهبتم للعيش عندها).

عود على بدء، لو رجع زملاءنا المسكونون باليمننة الى تاريخ ما قبل التزوير لوجدوا ان الاحتلال البريطاني كان يمنع الحزبية والاحزاب في حين يسمح بتأسيس الجمعيات لذلك سميت رابطة الجنوب العربي تحايلا على القوانين السارية كي لا يتم حظر نشاطها.

وقد عدنا الى من عاصروا تلك الاحداث والحقب التاريخية فتبين لنا ان هناك من  ألف أكاذيب وحكايات لا أساس لها بقصد اثبات وقائع لا تخلو من تزوير، فبعضها اعلن عن نفسه بعد ان حدد المستعمر موعد الاستقلال وانسحابه من الجنوب العربي.

ولم يكن لأي رابطي علاقة بالجبهة القومية عدا الرئيس قحطان الشعبي اما الباقون فكانوا من حركة القوميين العرب التي كان يقودها رموز من الشام والتحق بهم الشهيد فيصل الشعبي وسلطان احمد عمر وغيرهما من الطلبة ليس فيهم أي رابطي اما الرئيس قحطان الشعبي ولقرابته بالشهيد فيصل عبد اللطيف ولأسباب اخرى، تم تعاونه مع حركة القوميين العرب، ودعمتها مصر ثم تخلت عنها وتم تأسيس جبهة التحرير من بعض عناصر الجبهة القومية واخرين.

الصوفية والسادة في حضرموت أصلا ضد ان يكون لهم شراكة او تأسيس لسلطة، ومن ناضلوا منهم في العمل الوطني أساسا كان لأداء واجب ضد مستعمر محتل وليس طمعا في سلطة.

 مؤسسو الرابطة كان محمد علي الجفري وحسين الحبشي وليس شيخان الذي التحق بالرابطة بعد التأسيس وكان أساساً بعثيا ولا علاقة له بحركة  1948 في صنعاء وكان من السادة سالم الصافي والباقون مثل الأمين العام الاسبق الاستاذ رشيد الحريري والأستاذ احمد عبده حمزه وعبدالرحمن جرجرة عليهم رحمات الله واخرين كثر هم وطنيون من مختلف مناطق الجنوب العربي.

وقيادات الرابطة كانوا منفيين من قبل الاستعمار وهم الوحيدون الذين تم نفيهم رسميا وعلى رأسهم المؤسس محمد علي الجفري رئيس الرابطة وامينها العام شيخان الحبشي والسلطان علي عبدالكريم والشيخ محمد ابوبكر بن فريد والاستاذ احمد بافقيه وآخرين.

 لم يسمي الاستعمار الجنوب بالجنوب العربي الا عام 1959م اما ما قبل ذلك فقد منع الاستعمار اسم الجنوب العربي بل وأقفل صحيفة الجنوب العربي التي كان يرأسها الاستاذ احمد عمر بافقيه. 

وحزب الرابطة هو من قدم قضية الجنوب العربي الى الامم المتحدة مبكرا منذ 1959 وهو يعمل لذلك، وحصل على قراراتها باستقلال الجنوب العربي وتقرير مصيره في يوليو 1963م اي قبل اعلان تأسيس الجبهة القومية في مارس 1964م.

ولم يكن استشهاد راجح بن غالب لبوزة الا استمرار لنضال شعب وليس بداية له، وكانت مناطق كثيرة في الجنوب العربي قامت وتقوم بنضال مماثل من عشرات السنين وتعرض بعضها لقصف الطيران البريطاني وبعض آثار هذا القصف لازالت موجودة حتى اليوم، وبيوت قيادات في الرابطة مدمرة منذ الخمسينات. 

وأما الشباب من الجبهتين القومية والتحرير فقد قدموا ارواحهم للجنوب عن صدق ولم يكونوا يعلمون ان موعد الاستقلال قد تحدد، ورغم ذلك تم تقديم الموعد 40 يوم من 9 يناير 1968 الى 30 نوفمبر1967... وتم التنازل عن وعد بريطانيا بتقديم 60 مليون جنيه استرليني للجنوب عند استقلاله على ثلاث دفعات...ويقول الانجليز في مذكراتهم انهم قدموا دعم نقدي، ونحن سنصدق ما يقوله قيادات الجبهة القومية.

اليمننة ليست نقيصة، كما ان الهوية الجنوبية العربية ليست عيبا او ابتكارا طارئ، هي هوية ضاربة في عمق التاريخ، بل هي سابقة لليمن السياسي الذي اعلن في 1918م بإسم المملكة المتوكلية اليمنية ولم يكن الجنوب العربي جزءا منها بطبيعة الحال.

طمع الاخرون في الجنوب العربي لم يكن وليد 1967م بل كان منذ ايام الإمامة وقد صد أبناء الجنوب الكثير من الغزوات، ربما ان تشرذم الجنوب العربي في سلطنات ومشيخات عزز هذا الطمع، وربما ان ما يشهده الجنوب من نزعات التشرذم سيحيي تلك الاطماع مرة أخرى اذا نجح التشرذم الذي يدفع به أعداء الجنوب العربي.

نحن جزء من اليمن متعدد الهويات كما الحال في الشام، ولم يجرؤ اي طرف ان يتعدى على هوية الاخر او ينتقص منها او يدعي ان الآخر مجرد دخيل الا فيما يخص الجنوب العربي فقط، فتارة يقال اننا بقايا هنود وصومال، وتارة أننا فرع عاد الى الأصل، وهو قول يتعدى على طبائع الأشياء، فمن كان يدافع عن الجنوب العربي طوال التاريخ هم أبناء الجنوب العربي، ولا يمكن للفرع ان يكون اكبر واعمق تاريخا من ذلكم الأصل الطارئ على التاريخ والجغرافيا.

واقع الحال ان غياب الوازع الوطني لدى السياسي والمثقف والكاتب يحوله الى مجرد طبال يبحث عن تكسب او مصلحة ذاتية على حساب مصير وطن ومستقبل اجيال.