آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-06:59ص

قبل السفر ..  الخجول"

الأحد - 02 أكتوبر 2022 - الساعة 06:55 م

احمد الجعشاني
بقلم: احمد الجعشاني
- ارشيف الكاتب


عندما كنت اخرج في الصباح للعب امام البيت . كنت لا اجد احد من الاطفال للعب معهم . كنت اضجر وانسحب الى الداخل . وفي يوم قرعت باب جيران لنا . وفي ذلك البيت وجدت الصحبه وجدت الالفه وجدت . من هم في مثل سني . واصغر مني سنا . واكبر مني بسنوات . وجدت فيه أم محمود أمرأة . أمرأة طيبه  لم اجد مثلها من طيبة وحنان . كانت تستقبلني في بيتها كأنني ولد من اولادها . ودائما ماكانت تنادى اسمي بدل من  احمد  ياحمودي . كان بيت أم محمود هو الملاذ والمتعة التى وجدت فيها ضالتي. كنت لازلت طفلا في السابعة وهو عام دخول المدرسة . ولم تكن المدرسة كما كنت اتشوق لها . كان الأطفال يقفون في الطابور الصباح .  بأدب جم و صمت ملتزمين منصاعين للاأوامر . حالهم من حال المدينه الصامته الهادئه . وكأنهم ورثوا طبعهم  المنكسر واللين والطيب من مدينتهم مدينة الصمت . عدا اصوات الغراب المزعجة . التى كانت تحلق فوق سور المدرسه . في هذه المدينه التى انتقلنا اليها . وذلك بسبب ظروف والدي في . حيث انتقل عمله في هذه المدينه الجديده .  فهي تبعد عن عدن عشرين كيلو متر فقط . صنعها الانجليز لتكون عاصمة جديدة وفيها مقرات حكمهم . وحين انتقلنا اليها كانت مدينه مقفرة ولايوجد بها محلات تجاريه او اسواق . لا ضجيج السيارات او اصوات الباعة كما هو في عدن .  فكنت بعد العودة من المدرسة اذهب الى بيت أم محمود . الذي كان فيه مدرسة اخرى تعلمتها غير المدرسة التى نعرفها . كانت البنت حنان وهي اكبر الاناث من أم محمود . نلعب معها بعرائسها التى تصنعها من قطع القماش وعلب الكبريت والسجائر . كانت تبهرنا بقصصها وتشرد بنا الى خيال واسع مع عرائس القماش . الا أن اللحظات التى غيرت حياتي من طفل صغير وساذج الى طفل اخر يبحث عن المعرفة  . كان حين ادخل غرفة محمود الابن الاكبر من أم محمود . وكان يكبرني بعشر سنوات تقريبا . كان قد اكمل الثانويه العامه بينما أنا في اول ابتدائي.  كانت غرفته مكتبة كبيرة تجد كل كتب الدنيا فيها . من قصص وروايات عربيه واجنبيه ومجلات وكتب لمفكرين عرب وأجانب . وصوت عبدالحليم حافظ الذي شدني اليه منذو  اول مرة اسمعه في غرفة  محمود . كنت صغيرا حينها الا اني كبرت في غرفة محمود بين كل تلك الكتب والمجلات وعبدالحليم حافظ .  تغيرت فيها  كثيرا في عالم جديد لم اكن اعرفه من قبل . ومن سنة الى اخرى . فلم أعد  العب كثيرا مع حنان وعرائسها القماش . وبدأت القرأئة من مكتبة محمود هي من تستهويني وتشدني اليها اكثر فأكثر .حتى جاءت مرحلة الثانويه . وأنا أكثر نضجا وفهم . ولكنه فهما اخر للحياة . كنت مثل الحالم الذي يعيش بين الكتب وخيالها الواسع  . وليس الواقع الذي كنا فيه . لان ماتقرأه في الكتب حيوات اخرى غير حياتك انت او الواقع الذي انت منه . هكذا فهمت فيما بعد . عندما سألني مصطفي زميلي في الثانويه . لماذا يا احمد لا تنظم معنا في التنظيم . كان سؤاله مفاجئ لي . لم اعلم انه عضو في تنظيم . رغم صحبتي له ثلاث سنوات في الثانويه العامه. تفاجئت من سؤاله  ولم اعرف شئ  عن التنظيم . الا بعد أن شرح لي ان هناك تنظيم طليعي وتنظيم شعبي وعدة تنظيمات اخرى . وان الطلبه ينخرطون في هذه التنظيمات لاجل العمل السياسي والاستقلال وأضاف ايضا . توجد لديهم منح دراسيه في الخارج او عمل اذا اردت بعد الثانويه  . وجدت ان مصطفى اكثر وعي مني وانه يدرك الحياة وماذا يريد منها . كنت صامت اتأمل و افكر  حتى استوعب ماقال لي مصطفى . و اعيد ترتيب نفسي . لم اعطى جواب لمصطفى وهو يلح السؤال مرة اخرى . كنت قد عدت إلى منزلنا القديم في كريتر في عدن بعد دخولي الثانويه العامه . وعدن ليست اي مدينه اخرى . عدن كانت مدينتي  عشق لاينتهي ليس له حد او نهايه  . حين عدت إلى عدن كنت اعرف اني على موعد معها . فهي تعرف كيف تسحرني الى عالمها . كما قال عبدالله فاضل في شعره . 

عدن غدت عدنا وليس سواها . 

وما بعدها كل المدائن والقرى .

 مثل الاماء يسرن خلف خطاها . 

كنت في عدن في مدينتي مرة اخرى . الى صخب الحياة في الشارع وضجيج السيارات . واصوات الباعة وخطى المارة . وصوت الاذاعة وهو ينبعث من المقاهي . ومحلات الكاسيت . الى خطى النساء والفتيات امام المحلات . كنت امضي هائما لاارى شئ في طريقي إلى البيت . بعد حديثي مع مصطفى كنت مهوسا بفكرة التنظيم . وبدأت افتش النقاب عنها . ومنهم اعضاء التنظيم هذا واين مقراتهم . ولكني لم اكن اجرأ على السؤال لاي احد من الطلبه . ولكني اقتربت منهم اكثر .  بعد امتحانات  الثانويه العامه . صرت عضو في حزب الاتحاد الشعبي اخترته لان اسم الشعب هو ماشدني اليه وكنت ايضا معجب بزعيمه . وعملت معه في  الصحيفة محررا . و انشر بعض تجاربي الشعريه . كنا نلتقي في مقهى شعبي في وسط عدن . أنا ومصطفى واثنين من الزملاء . وانظم الينا مؤخرا الاستاذ اسماعيل . لم أكن اعرفه من قبل . قال عنه مصطفي انه من القيادات النقابيه . كان ذو وجه اليف وشعر اسود ناعم  مسدول الى الخلف . بينما  حديثه كان منسق ولديه القدرة على إقناعك . و عقلاني بشكل مطلق . كنت معجب به وبفكره الذي بدأ يتضح لنا فيما بعد انه كان يساريا . كنا في بعض الاحيان نجتمع في غرفة صغيره تعلو دكان الحاج مقبل . نتناقش كثيرا ونحدد الاهداف المنصوبه  لنا اثناء المظاهرات وتوزيع المنشورات بين الاوساط العماليه  في عدن . في  اليوم الذي انطلقت فيه التظاهرة الشعبيه .  تم اعتقال الكثير من الزملاء وكان اسماعيل من الذين اعتقلو  في ذلك اليوم . جاء مصطفي يخبرني عن اعتقال اسماعيل وكان قلقا جدا . وقال لي عليك ان تختفي خلال هذه الفترة . قلت له اين اذهب ولن اسافر الى اي مكان حتى اطمئن على اسماعيل . ظل مصطفى يتردد علي بين الفترة والأخرى . حتى علمنا بخروج اسماعيل من السجن . بعدها قررت السفر الى القاهرة للدراسه . غادرت عدن ولدي احساس ان شئ كبيرا سيحدث.  وأن موعده قد حان  واقترب . 

** أحمد الجعشاني **