آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-12:24م

قبس من حضارة عدن في لحظة غروب

الخميس - 29 سبتمبر 2022 - الساعة 12:25 ص

صبري عفيف العلوي
بقلم: صبري عفيف العلوي
- ارشيف الكاتب


في لحظة غروب للشمس خلف جبال عدن الشامخة في السماء، المصحوبة  برذاذ حبات المطر ، ونسائم أمواج البحر الصاخبة التي لا تهدأ  من أعماق بحر العرب وقفت على سطح قلعة صيرة المطلة على خليج عدن وقفة تأملية وفي لحظة صمت رهيب، سافرت بالذاكرة إلى أعماق التاريخ التليد، مستحضرا  قدرة الإنسان الذي شيد هذا الحصن المنيع، ومتذكرا الغزوات البرتغالية والمملوكية والعثمانية والبريطانية بخلاف الغزوات الداخلية، حاولت أن أرسم ملامح عدن القديمة التي كان ذات يوم تنبض بالحياة والقصور والمدارس والمساجد والكنائس والمعابد والسفن الشراعية والاجناد والنواخيذ والتجار، حاولت أن استحضر جيوش الايوبيين  والرسوليين والطاهريين والعثمانيين والسلاطين والشيوخ العرب الجنوبيين والبريطانيين والثوار والمناضلين الاكتوبريين والجنوبيين الوطنيين واليمنيين الذي مروا من هنا بأسلحتهم وخيولهم ومدافعهم وعدتهم وعتادهم، محاربين ومسالمين،  حاولت أن استحضر نظرتهم لهذه القلعة الحصينة، فجأة توقفت عن السفر في الماضي وإذ أنا أشاهد سلسلة كريتر في درعها الصخري وهي تعج بالنازحين والمخيمات والمباني والعشوائيات المتنائرة فوق هضبة شمسان وسفوح الصهاريج، دققت النظر مليا في شوارعها التي تعصف به العشوائية، وتتراكم فيه مياه السيول والأمطار  أيعقل أن تكون هذه كريتر المدينة العريقة المثقلة بالتاريخ، المدينة التي تعايشت فيها أجناس متعددة من البشر، لتغدو متحفاً للإنسانية بكل معنى الكلمة، كيف لها أن تصير مدينة بلا تاريخ وشعب بدون انتماء، مدينة تجول وتصول فيها الفوضى والعبث والطمس و التدمير ، أين صارت صهاريجها التي وضعها الاقدمون لحمايتها من السيول والأمطار، ماذا جرى في المدينة؟ ألا يخاف هؤلاء المعتدون من ثوران فوهة بركانها الخامد، أليس فيها من رجل رشيد؟
ألا يتشفع لها بحر حقات وجبل معاشق الذي كان مملوكا للتجار الأجانب ولبعض شرائح الاستتقراطية العدنية وراحت تنفصل تدريجيا عن مجتمعها، واليوم جثى بالقرب منه قصر معاشيق الحاكم الذي بيديه حياة المدينة وموتها، ألا ليته يفتح عينيه ليرى حال المدنية التي تسكن بجانبيه!؟.

اللهم إني بلغت اللهم فاشهد

العاصمة عدن

28 سبتمبر 2022م