آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:59ص

القائد حمار!

الجمعة - 23 سبتمبر 2022 - الساعة 04:37 م

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


ارتبط اسم (الحمار) في أذهاننا بمحتوىً سلبي  مع أن الحمار من الحيوانات الذكية والصبورة والملازمة للإنسان منذ القدَم  وأكثر ما يُطلق هذا اللفظ على الشخص بليد الفهم بطيء التذكر فيطلقه المعلم على الطالب والأب على ابنه وصاحب العمل على صبيّه حتى أطلقه كل أحد على كل أحد.

ولمن يوالي اليهود إنما يوالي ثلة من الحمير لأنهم لما أوتوا التوراة ولم يعملوا بها نعتهم الله بصفة الحمار الذي يحمل الكتب وهولا ينتفع بها قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).

يقول الصابوني في [ مختصر تفسير ابن كثير ] : ( يقول تعالى ذاماً لليهود ، الذين أُعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، ثم لم يعملوا بها؛ مثلهم في ذلك { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } أي كمثل الحمار إذا حمل كتباً لا يدري ما فيها ..

فهو يحملها حملاً حسياً ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظاً ولم يتفهموه، ولا علموا بمقتضاه، فهم أسوأ حالاً من الحمار ، لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ).

وقد شبه الله كل صخّاب بأن صوته من أنكر الأصوات كصوت الحمير فقال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. وللشعراوي كلام جميل وطويل في تفسيره لهذه الآية فننقل أغلبه للفائدة.. إذ يقول رحمه الله: (ثم يقول سبحانه مُشبِّهاً الصوت المرتفع بصوت الحمار : { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [لقمان: 19] .. والبعض يفهم هذه الآية فهماً يظلم فيه الحمير، وعادة ما يتهم البشرُ الحميرَ بالغباء وبالذلة، لذلك يقول الشاعر: 

ولاَ يُقيم علَى ضيَمْ يُرَادُ به ×× إلاَّ الأذلاَّنِ عِيْرُ الحيِّ والوَتِدُ

هذا على الخسفْ مربوطٌ برمته ×× وذَا يُشَدُّ فَلاَ يَرْثِى لَهُ أَحَد

ونعيب على الشاعر أن يصف عِيرَ الحي - والمراد الحمار - بالذلة، ويقرنه في هذه الصفة بالوتد الذي صار مضرب المثل في الذلة حتى قالوا (أذلّ من وتد) لأنك تدقّ عليه بالآلة الثقيلة حتى ينفلق نصفين، فلا يعترض عليك، ولا يتبرم ولا يغيثه أحد، فالحمار مُسخّر، وليس ذليلاً، بل هو مذلَّل لك من الله سبحانه.

ولو تأملنا طبيعة الحمير لوجدنا كم هي مظلومة مع البشر، فالحمار تجعله لحمل السباخ والقاذورات، وتتركه ينام في الوحل فلا يعترض عليك، وتريده دابة للركوب فتنظفه وتضع عليه السِّرْج، وفي فمه اللجام، فيسرع بك إلى حيث تريد دون تذمر أو اعتراض.

وقالوا في الحكمة من علو صوت الحمار حين ينهق: أن الحمار قصير غير مرتفع كالجمل مثلاً، وإذا خرج لطلب المرعى ربما ستره تلّ أو شجرة فلا يهتدي إليه صاحبه إلا إذا نهق، فكأن صوته آلة من آلات البادية الطبيعية ولازمة من لوازمه الضرورية التي تناسب طبيعته.

لذلك يجب أن نفهم قول الله تعالى: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] فنهيق الحمار ليس مُنكَراً من الحمار، إنما المنكر أن يشبه صوت الإنسان صوت الحمار، فكأن نهيق الحمار كمال فيه، وصوتك الذي يشبهه مُنكَر مذموم فيك، وإلا فما ذنب الحمار؟

إنك تلحظ الجمل مثلاً وهو أضخم وأقوى من الحمار إذا حمَّلته حِمْلاً فإنه (ينعَّر) إذا ثقل عليه، أما الحمار فتُحمِّله فوق طاقته فيحمل دون أنْ يتكلم أو يبدي اعتراضاً، الحمار بحكم ما جعل الله فيه من الغريزة ينظر مثلاً إلى (القناة) فإنْ كانت في طاقته قفز، وإنْ كانت فوق طاقته امتنع مهما أجبرته على عبورها.           

أما الإنسان فيدعوه غروره بنفسه أنْ يتحمّل ماَلا يطيق. ويُقال: إن الحمار إذا نهق فإنه يرى شيطاناً، وعلمنا بالتجربة أن الحيوانات ومنها الحمير تشعر بالزلزال قبل وقوعه، وأنها تقطِّع قيودها وتفرّ إلى الخلاء، وقد لوحظ هذا في زلزال أغادير بالمغرب، ولاحظناه في زلزال عام 1992م عندما هاجت الحيوانات في حديقة الحيوان قبيل الزلزال.

ثم إن الحمار إنْ سار بك في طريق مهما كان طويلاً فإنه يعود بك من نفس الطريق دون أنْ تُوجِّهه أنت، ويذهب إليه مرة أخرى دون أنْ يتعدَّاه، لكن المتحاملين على الحمير يقولون: ومع ذلك هو حمار لأنه لا يتصرف، إنما يضع الخطوة على الخطوة، ونحن نقول: بل يُمدح الحمار حتى وإنْ لم يتصرف؛ لأنه محكوم بالغريزة).

وكما كانت لفظة (الحمار ) تدل على فساد الفهم أو الخلق أو السلوك عامة كما أرادها الإنسان .. فإنه كذلك مفسد لصلاة المرء حال مروره بينه وبين سترته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كمؤخرة الرحل، المرأة، والحمار، والكلب الأسود».

ولعلنا نشكو كل جمعة من المتكلمين خلال الخطبة فهم كالحمير كما روى عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : أنصت ليس له جمعة ».

ومن الحمير: حمير الأدب كـ (حمار جحا) و (حمار الحكيم ) وهو توفيق الحكيم .. ومع الزهد عن الأدب وقلة محبيه في وقتنا الحاضر.. فقد ابتلينا بحمير السياسة في هذا الزمان حتى صرنا نسمع بـ (القائد والمسئول فلان ) وهو أخس من الحمار في فهمه وخلقه وصبره وخدمته وما سواها من الصفات .. فصرنا نعاني من (القائد حمار ) .. في جمهورية الحمير !