آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-04:48م

التنمر الرقمي في القانون اليمني وتجربة مصر

الأربعاء - 31 أغسطس 2022 - الساعة 01:51 م

هبة العيدروس
بقلم: هبة العيدروس
- ارشيف الكاتب


 

  هبة علي زين عـيدروس 
                                                        باحثة دكتوراه في القانون الجنائي كلية الحقوق جامعة عين شمس
                                                               عضو هيئة تدريس مساعدة كلية الحقوق – جامعة عدن
عضو اتحاد المحامين العرب

انتشر حديثاً مصطلح التنمر وتعددت تعريفاته لتشمل جملة من الأفعال التي تٌشكّل في الأساس جرائم مختلفة ومستقلة وفق القانون الجنائي اليمني رقم (12) لعام 1994م، لكن هذا المصطلح المطاطي لقي حظاً وافراً في التداول لوقوعه في البيئة الرقمية بهيئات متعددة أهمها مواقع التواصل الاجتماعي ولأهداف أيضاً مختلفة تعود لنية المتنمر، حيث انتقل التنمر من كونه سلوكاً لفظياً أو فعلياً على أرض الواقع إلى سلوك في البيئة الرقمية وأطلق عليه وصف التنمر الرقمي أو الإلكتروني. ويتخذ التنمر صوراً وأشكالاً مختلفة كالرسائل البذيئة، التهديد، إفشاء الأسرار الخاصة، نشر الصور والفيديوهات والتعليق عليها بشكل ساخرأو الحط من قدر الضحية المستهدفة وغيرها. ومن أجل معرفة متى تقوم المسؤولية الجنائية تجاه مرتكب جريمة "التنمر الرقمي" لابد من معرفة العناصر التي تتكون منها هذه الجريمة وهي: وجود فعل عمدي، وتوافر القصد الجنائي بالحاق الضرر ثم أن يمارس المتنمر الفعل والقصد بصورة متكررة بحيث تحدث تأثير في نفس المجني عليهم من خلال وسيلة تقنية أياً كانت مثل الحاسبات والهواتف النقالة.
وإذا رجعنا إلى هذا المصطلح المستحدث سنجده مصطلحاً مطاطاً غير واضح ودقيق في اللغة والقانون، بالإضافة إلى أنه لم يرد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ باعتباره قانون يختص بالجرائم التقليدية والذي هو في الأصل بحاجة ماسة لتعديل العديد من النصوص فيه وإضافة نصوصاً جديدة تتواكب مع الواقع الجنائي والتطور التشريعي والعلمي. لذلك أودُّ منكم عزيزي القارىء /عزيزتي القارئة من رجال القانون والباحثين والباحثات أو المهتمين والمهتمات بالثقافة القانونية الاطلاع على تعريف التنمر الذي وضعه المشرع المصري في مادة (309 مكرر/ب) من قانون العقوبات رقم (189) لعام 2020 ستجدون أن المشرع كان موفقاً في وصف الأفعال، لكنه لم يتطرق إلى عنصر التكرار في إتيان الفعل أو استخدام وسيلة حديثة بينما أشار إليها في المادة (306 مكرر/أ) باعتباره تحرش عام يحدث في الحياة الواقعية أو الرقمية، وفي مادة (30 مكرر/ب) حد المشرع التحرش لغرض منفعة جنسية و عدّهُ (ظرف تشديد). كما يوجد نصٌ شبيهٌ بالتنمر بل هو أوسع منه ورد في القانون رقم (141) لعام 2021 المعدل لقانون العقوبات في نص مادة (375 مكرر) خاصة بـ "البلطجة"، فالجريمة الأخيرة إلى جانب التحرش هما سلوك جرت العادة أن يحدث بشكل متكرر بطريقة أو أخرى. نذهب لمطالعة قوانين "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" العربية في مقدمتها "مصـر" نجدها لم تُدرِج هذا المصطلح بعينه ضمن نصوص تشريعاتها الجنائية، بل ضمنته في النصوص بتحديد الأفعال المرتكبة من الجاني في تلك النصوص التي تعاقب عليها في حالة ارتكابها عبر الفضاء السيبراني (الانترنت) أو باستخدام الوسائل الرقمية غير الموصولة بشبكة الانترنت.
ونحن من جانبنا نتطلع لأن نحذو حذو المشرعين العرب في سن التشريعات على أن تكون لدينا تجربة تشريعية تمثل التجربة اليمنية بذاتها . لذلك أرى من وجهة نظري الشخصية كباحثة أنه ليس لزاماً علينا أن نستخدم مصطلح التنمر كمصطلح قانوني، ولا أشجع على ذلك؛ لأن التعريف القانوني لابد أن يكون شاملاً، محددا، ًدقيقاً واضحاً لا يحتمل التأويل. وعندما نرى هذا المصطلح يتضمن في جوهره على أكثر من فعل مجرم بصورة مستقلة ويعاقب عليها القانون لا يمكن أن نعدَّهُ صالحاً لأن يُشكّلَ جريمة واحدة.
وبناء على ما سبق، يتجلّى للجميع مدى اتساع الهوّة بين القوانين الجنائية اليمنية وتطورالجريمة من ناحية والتشريعات الجنائية العربية من ناحية أخرى. لذلك نحن بحاجة مُلحّة لإجراء تعديلات على القانون الجنائي بشقيه الإجرائي والموضوعي وإلى تشريع جنائي خاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات سواء كان بصورة مستقلة أم كجزء آخر لقانون الجرائم والعقوبات يسمى "جرائم تقنية المعلومات" كي يتسنى للمشرع والقضاء توفير الحماية الكافية للحقوق والحريات والمصالح العامة والخاصة و تمكين الأفراد من الدفاع عن حقوقهم الأصيلة المكفولة وفق الشرع والقانون.