آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-11:17م

البكاء على خراب العمران !

الثلاثاء - 23 أغسطس 2022 - الساعة 09:37 م

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


بكى العرب قديماً وحديثاً على خراب العمران .. ولطالما اهتزّت أغصان الشوق في قلوبهم حينما باتوا يسترجعون ذكريات جميلة لماضٍ مضى وانقضى .. ومن حوادث خراب العمران ذلك الخراب الذي حدث لليمن.. فلليمن دوماً نصيبها من الخراب في كل زمان ومكان !

ومن ذلك الخراب؛ الخراب الذي حدث عند تهدّم سد مأرب .. يقول المباركفوري رحمه الله في [ الرحيق المختوم ] : ( عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية، وعرف ملوكها بـ [ ملوك سبأ وذى ريدان وحضرموت ويمنت ] ، وقد توالت على هذه الدولة الاضطرابات والحوادث .. وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي جعلتها عرضة للأجانب حتى قضى على استقلالها.

ففي هذا العهد دخل الرومان في عدن، وبمعونتهم احتلت الأحباش اليمن لأول مرة سنة 340م؛ مستغلين التنافس بين قبيلتي همدان وحمير، واستمر احتلالهم إلى سنة 378 م.

ثم نالت اليمن استقلالها، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب، حتى وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسيل العرم في سنة 450م، أو 451 م . وكانت حادثة كبرى أدت إلى خراب العمران وتشتت الشعوب ).

والمتتبع لسنن الله في الأرض يجد أن الظلم سبب عظيم من أسباب خراب العمران فـ ( الحَيْف وسلب الحقوق وإهدار الكرامات مبعث الشقاء ومثار الفتن .

إن قومًا يفشو فيهم الظلم والتظالم، وينحسر عنهم الحق والعدل إما أن ينقرضوا بفساد، وإما أن يتسلط عليهم جبروت الأمم يسومونهم خسفًا، ويستبدون بهم عسفًا، فيذوقون من مرارة العبودية والاستذلال ما هو أشد من مرارة الانقراض والزوال.  .. إن الظلم خراب العمران، وخراب العمران خراب الأمم والدول ).

ومصداق ذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً ) .. أضف إلى ذلك ( الترف الطاغي المفضي إلى تدمير الحضارة المعبر عنه بقوله سبحانه وتعالى : (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ) ).

وقد بين ابن خلدون أن فشو الظلم مؤذن بخراب العمران، والظلم هو مظهر من مظاهر الخلل في الروابط الاجتماعية، كما أن خراب العمران يكون بتعطل أحكام الشريعة، القاضية بالسعي في الأرض، لتوفير الخير وكسب المعاش.

 وهكذا فالظلم له أثر كبير في خراب العمران وسقوط الدول ، وعامة الاضطرابات.

يقول أ.د.عبد الكريم بكّار في كتابه [ عصرنا والعيش في الزمان الصعب ] : " القرآن الكريم يعلمنا أن زوال النعم،وتبدل الأحوال إلى الأسوأ،لا ينشأ أساساً من تدهور البيئة، ولا خراب العمران، وإنما من تغير النفوس وانحطاطها : ( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ) .

وإذا أراد الناس استعادة ما فقدوه،وإصلاح ما أفسدوه، فالخطوة الأولى على طريق العودة أيضاً نفسية : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ".