آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-12:30ص

التجمع الوحدوي وتجمع الاصلاح.. كطرفي نقيض!!

الإثنين - 22 أغسطس 2022 - الساعة 02:16 م

منيف الزبيري
بقلم: منيف الزبيري
- ارشيف الكاتب


من غرائب المفارقات أن التجمع الوحدوي اليمني بمفرده -كما علمت - قد اصدر بيانا تضامنيا جادا ليس فقط مع الاصلاح كحزب وإنما مع الدماء اليمنية المهدورة أيضا وقبل كل شيء، وأهم اسباب التضامن هو رفض الاستقواء بالأجنبي ورفض اللجوء الى العنف إجمالا . 

البعض يرى الغرابة في هكذا مفارقة أن التجمع الوحدوي أحد أكثر المكونات السياسية تضررا من براجماتية تجمع الاصلاح (انا ومن بعدي الطوفان) ، وتحريضاته التكفيرية الرجعية ضد اي توجه تقدمي ..

وكثيرا ما تعرض أعضاء التجمع الوحدوي للتكفير السياسي من قبل متطرفين منضويين في أطر الاصلاح ، بدأ هؤلاء المتطرفون وفي طليعتهم عبدالمجيد الزنداني  يحركون من (الرياض) مظاهرات ضد الوحدة والدستور عامي ٨٩- ١٩٩٠م وحتى عام ٩١ م ولذلك تعرض أول أمين عام للتجمع الوحدوي لمحاولة الاغتيال الأولى بعد الوحدة في العاصمة صنعاء أمام السفارة السعودية!! وأصيب جراءها بجراح واستشهد رفيقه الدكتور حسن الحريبي .

 استغراب البعض لموقف التجمع الوحدوي  ،ليس سوى نتيجة عدم استيعابهم مبادئ هذا الحزب الذي يتفرد بقوام عضوي بسيط لكنه نادر الطراز ومن عيار  ثقيل في ميزان حركة التحرر الوطني ، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية والنقابية ..

( المثقف أول من يقاوم وآخر من ينهزم) لاتسعفني الذاكرة لمن هذه المقولة من السابقين ،لكن ما اعنيه أن  (التجمع الوحدوي اليمني) وهو نخبة تمدين  ليبرالية حداثية ، تعاف الأبراج العاجية ، وتلتحم دوما بالشعب أثبتت أن المثقف ليس آخر من ينهزم وإنما لا يعرف الانهزام .

 

المعروف أن المناضل خالد الذكر عمر عبدالله الجاوي في إعلانه التجمع الوحدوي اليمني عام٩٠- ٩١ اثر  اطلاق المناخ التعددي - المشروط كصمام امان للوحدة  - حرص  على لملمة النوعية المتحررة ذات الآفاق الواسعة والرؤى العميقة فكريا والمتشبعة بنبل اخلاقي متجرد عن السمات الانتهازية واللهث وراء السلطة، والملاحظ - كما اثبت الزمن - أن قليلا راسخا  متماسكا تم فرزه خلال عقدين الى ثلاثة عقود من النضال قبل وبعد الوحدة  اجدى وأبقى من هشاشة التعبئة العشوائية والتباهي بالخواء والكم الأجوف الناشئ عن  تسخير ادوات الدولة او المساندة الخارجية كما هو حال أغلب الاحزاب التي تحللت  بعد أمد  من التحنيط ..

(التنوير قبل التغير) .. ذلك ما حرص عليه الجاوي ورفاقه خالد فضل منصور و د ابو بكر السقاف ومحمد عبده نعمان الحكيمي و احمد كلز و وعبدالله صالح عبده وسلطان الدوش و د عبدالله عوبل وسلطان احمد زيد وأروى عبده عثمان  وأبوعلي مرشد الملح ومنصور هائل ...الخ 

 

حقيقة.. لابد من مقارنة عابرة بين التجمعين كونهما - وفقا لوجهة نظري - بين كافة المكونات السياسية يعدان طرفا نقيض.. ورأيي هذا يحتمل الصواب والخطأ، وارجو أن يتلقى نقدا بناء، كما اتمنى على (عدن الغد) الغراء أن تتكرم بمساحة حرية وتستقبل اي تعقيب او تصويب داحض لما اطرحه..

 

 بعد اعلان وحدة ٢٢ مايو ١٩٩٠ لفترة وجيزة برزت الكثير من الاحزاب التي كانت شبه محضورة من قبل النظامين الشموليين ، بينما  تجمع الاصلاح و التجمع الوحدوي اليمني أجزم انهما لم يكونا محظورين ، وان تعرض بعض اعضاء الاخير لمضايقات بين الحين والاخر في الشطرين  .

 لكن السؤال.. لماذا غير محظورين ؟!

الاول كان شريكا خفيا لأغلب السلطات في شمال الوطن ومتغلغلا في المواقع المفصلية للسلطة لاسيما بعد انقلاب أذناب الشقيقة على مشروع الدولة باغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي . 

بالمقابل التجمع الوحدوي اليمني  كان ومازال وسيظل عصيا على الحظر كونه  بقي كأفراد ونخب - قبل الوحدة - حاضرا بقوة في الاتحادات العمالية والمؤسسات الثقافية و الفعاليات الجماهيرية، مترفعا على السلطة  ورقيبا عتيدا عليها شمالا وجنوبا ، وطالما انقبضت  السلطات المتعاقبة وأبدت امتعاضها من شفافية أدائه التوعوي   الايجابي وشجاعته في تعريتها وكذا ترشيدها ، وأجزم انه الحزب الاوحد الذي ظل مترفعا عن الانغماس في التسلط ،ومتحررا من أي دعم خارجي ايجابيا كان او سلبي .

سنجد بعد اعلان الوحدة أن اغلب من تداعوا لتشكيل التجمع الوحدوي كانوا في طلائع مؤسسي النقابات المهنية والعمالية والثقافية ابتداء من اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين الذي لعب الجاوي دور الدينمو المحرك في بنائه كأول مؤسسة وحدوية ١٩٧٠ معنية بحماية مبدعي وادباء اليمن وانتاجاتهم الفكرية واخراجها الى النور .

وكان للاتحاد  النصيب الاكبر من العناء في تجذير مداميك  الوحدة اليمنية وصياغة دستورها وتوحيد الكثير من المؤسسات والأهم من ذلك  توحيد المناهج التربوية وفرض مايشبه ميثاق شرف أعلامي كانت السلطة في صنعاء أكثر تنصلا من  عملية تنفيذه،فضلا عن توحيد الاطر المنظمة للرياضة، والعمل على المقاربة بين السلطتين المزايدتين باسم الوحدة والهاربتين منها في احيانا  لاستئثارهما بالسلطة وبالتالي الثروة . واحدية المصير واعتناق المبادي عن قناعة هو ما جمع الجاوي ورفاقه في  خندق النضال الخالي من المزايدة باسم الوطن او المن عليه او التكسب بقليل من عناء البحث سنجدهم حاضرين في طليعة مؤسسي  النقابات المهنية الفاعلة وذات الرسالة الانسانية في حياة المجتمع .مثل نقابة المحامين والصحفيين والأطباء والمعلمين  والاتحادات العمالية ايضا  .

والمؤسف اليوم  أن أغلب من نصنفهم حملة فكر سياسي مازلوا  يتهربون من مواجهة الحقيقة المرة وتفنيد أهم اسباب فشل ثورة الشباب الشعبية١١فبراير المغدور بها، 

-وجهة نظري- هو غياب الحامل الفكري للثورة منذ وقت مبكر والذي يستحيل تخلقه دون بنية تحتية ثقافية هادفة  (دور طباعة ونشر وترجمة - مسرح - اوبرا-سينما.....الخ ) وذلك الامر ليس سواه أثمر نجاحا للربيع العربي في مصر وتونس وفشلا في ليبيا واليمن ، وهو ما كان يدركه معظم المنتمين للتجمع الوحدوي اليمني بيد أن أغلب جهودهم الصادقة كانت تذهب هدرا بفعل تعسفات خفية في دهاليز السلطة خاصة بعد وفاة الجاوي عام ١٩٩٨ .

لكن ذلك ادى الى ترهل معظم القوى السياسية وتماهيها مع سلطة صالح وقيامها بأداء الأدوار المسرحية الهزلية لإفراغ احتقان ومعاناة الناس في المواسم الانتخابية لا أكثر، وكل ذلك مقابل ثمن بخس من امتيازات خفية  لعدد ضئيل من قيادات تلك الأحزاب . 

 

لا أحد يستطيع اليوم  انكار التركيبة (الكهنوعسقبلية) لتجمع الاصلاح والذي  احتوى لفيفا من مراكز قوى ماقبل عصر الدولة (رؤساء العشائر والكهنة وكبار العكفة) ومازال هذا الثلاثي يشكل ثقالات كابحة يعجز امامها ذلك القدر من الكوادر ذات النزوع المدني في هيئاته الوسطية ، ولا يستطيع التحرر من قداسة  ابويتها الكامنة في اعماق العقل الباطن بفعل التعبئة العقائدية بالولاء المطلق للمرشد الديني الذي لا يخطئ!! 

وكان قبل تأسيس المؤتمر الشعبي العام  -حسب ما يردد اعضاؤه - هيئة دعوية لا شأن لهم بالسياسة!!

 بدأ تواجده أواخر الاربعينات كافراد غير يمنيين و لا يتجاوزون عدد أصابع الكف الواحدة .مثل الشهيد العراقي جمال جميل والداعية الجزائري الفضيل الورتلاني الذي توفي كما أظن في لبنان  بعد اصابته بأزمة  نفسية طويلة سببها تخلي تنظيمه عنه . تبع ذلك محاولات فردية من عمر طرموم والمناضلين النقيين المرحومين فيصل بن شملان وفرج بن غانم في الجنوب وقد فضلا استقلاليتها في ما بعد وقلدهما الحزب الاشتراكي في الجنوب لنزاهتهما وكفاءتهما  عددا من أهم الوزارات - الكهرباء والطاقات ،التموين والتجارة ، النفط والثروات المعدنية -

 

وكفي الشمال عبده محمد المخلافي وياسين عبدالعزيز القباطي وعبدالسلام خالد كرمان في الشمال، وغيرهم من المرشدين في حقبتي السبعينات والثمانينات وتكاثر دعم الشقيقة لهم برعاية امريكية  غرضها التحشيد لمحاربة الاتحاد السوفيتي في  أفغانستان .،  مع فارق أنهم بعد تأسيس المؤتمر الشعبي توزعوا بين  مساري الشراكة مع المؤتمر اضافة الى الهيئة الدعوية البعيدة عن السياسة !!

فكر الجماعة وليس المجتمع هو المسيطر على توجه الاخوان ، لم يستفيدوا في اليمن من فشلهم في مصر والناتج عن غياب ثقافة الاعتراف بوجود الآخر والقبول به شركا وطنيا في السلطة والثروة ..بذرة فنائهم في داخلهم وهي  نزعات الاستحواذ والاستئثار والاستماتة في اقصاء الآخر ..للتو سلمت قيادات الجيش المصري لقرارات محمد مرسي في اكبر نقلة نوعية لجيش من جيوش العالم ..لكنها بعد قرابة عام بدأ اول بيان للجيش يحذر من طريقة ادارتهم للبلاد وقد بلغ استئثارهم الى خصخصة شركة الكتان التي تعد مفخرة المصريين وأحد اهم روافد اقتصادهم ، وكادت نزعة استئصال الآخر أن تؤدي بالسلم الاهلي وتمزق النسيج الاجتماعي من خلال تعاطي المتشددين بكراهية مناقضة للتسامح  التاريخي بين للهلال والصليب ،كون الاخوان لم يستفيدوا من تجربة الزعيم سعد زغلول ومن تبعه ، حيث ضم في وفده المفاوض - الى مؤتمر فرساي بعد الحرب الكونية الاولى - من الطائفية المسيحية ما يوازي حجمهم السكاني (بطرس غالي -حنا واصف ) وثالث لا اتذكر اسمه .  وكان زغلول مدركا لاهمية ترميم الجبهة الداخلية وتفويت فرصة التلاعب بورقة الاقليات على المستعمر البريطاني ، و اليوم نجد ان زغلول  بعد مائة عام اسبق واعمق وعيا من اخوان مصر واليمن !!

في المقابل نجد ان اول امين عام للتجمع الوحدوي اليمني ، صاحب التجربة الشعرية الناضجة برمزيتها ثرية الدلالات (واضحة الغموض),  المعلم الرائد عمر الجاوي جمع بين مقارعة الاستعمار والامامة مبكرا ، حيث امتلك عقلية متقدة و نقادة لا تؤمن بقداسة الاشخاص او القيادات وتغلب العقل على النقل  ،حتى انه تعرض للفصل من الدراسة في جمهورية مصر لرفضه القولبة التأطيرية ، ناهيكم عن التحاقه المبكر مع اليسار الشيوعي  هناك ، وكان هناك تجريم لهكذا فكر سياسي آنذاك .

بعد نكسة حزيران ١٩٦٧ استشعر فورا بنظرته الثاقبة  الخطر المحيط بالجمهورية إثر انسحاب القوات المصرية من اليمن ،وبدأ يتدارس مع المدركين لخطورة الموقف إمكانية تشكيل مقاومة شعبية للدفاع عن صنعاء ، وعند تطويق صنعاء في٣٠ /نوفمبر / ١٩٦٧ كانت المقاولة الشعبي احد أهم عوامل كسر الحصار  والانتصار للجمهرية وترسيخها  ودحر فلول الملكية.

صاحب الرؤى الاستباقية (الجاوي) سرعان ما بدأ يستشعر ايضا خطورة تشتت وتشتيت المثقفين والمبدعين وتآمر السلطات عليهم فسعى مع زملائه لتأسيس اتحاد الادباء كما اسلفنا.

كما عمل على الدفع بالكثير من رفاقه لتأسيس عدد من النقابات المهنية خلال عقدي السبعينات والثمانينات كما هو آنف .

أخيرا تخلى عن الاصلاح كل حلفاؤه الذين تأهلوا على فنون المتاجرة السياسية تحت اشرافه في اللقاء المخترق، وجميعهم اتقنوا  الغدر بالشهيد  جار الله عمر بتحويل المشترك من تكتيك سياسي مرحلي الى ( ارتباط كاثوليكي ) في عصمة الاصلاح .

 ولم يبق سوى نقيضه الايدلوجي التجمع الوحدوي اليمني المتحرر من عبودية الانتهازيين في المشترك وتذبذب مواقفهم حسب حالة الطقس، ونجده التجمع الوحدوي اليوم - رغم انه الاكثر تضررا من فتاوى التكفيرية للاصلاح -  يتضامن معه ليس الا التزاما بثقافة التضامن التي رسخها في صفوفه الرعيل الاول من مؤسسيه..

بالمناسبة كان نصيب الاسد للتجمع الوحدوي في قائمة الاغتيالات التي أعدتها جامعة الايمان والامن السياسي (المؤتمر والاصلاح) وقدماها للادارة علي جارالله السعواني قبل اغتيال الشهيد جارالله عمر  ، وكان ضمن القائمة الاستاذ منصور هائل والرائد المسرحي عبدالكريم الرازحي والدكتور ابوبكر السقاف وغيرهم  .

عموما كما كان الجاوي متحررا بعقليته الفذة ، ليس غريبا البوم  أن تجد عضوا في حزبه على استحياء يورد سلبيات نادرة- لا حكم لها - في قياداته بما فيهم العظيم الجاوي ذاته الذي علم تلاميذه أن  يحملوا في عقلياتهم قداسة للمبادئ وليس للاشخاص او القيادات ، وعزز  الديمقراطية الداخلية، وشجع ممارسة النقد الذاتي  و هذه الظاهرة الصحية افتقرت اليها المكونات السياسية و وهنا تتضح بجلاء ناصع حيثيات بقاء التجمع الوحدوي اليمني متجددا فيما بقية الاحزاب جثامين محنطة تنخر داخلها الديدان وتفوح منها عفونة الموات .

ليس اطراء في هذا التيار طالما حصنه الالتزام الحقوقية التنويري من أوبئة المتاجرة السياسية. ويتبين ذلك عندما فرضت المبادرة الخليجية على الاحزاب أن تشترك بحكومة الفساد التحاصصي عام ٢٠١٢. كانت المشاركة الاولى غير اختيارية  للتجمع الوحدوي .لكنه فرض بالمقابل اختياره لوزارة الثقافة انطلاقا من المبادئ التي ارتضعها مؤسسوه ومن تبعهم الى اليوم والملاحظ عند التغيير الحكومي تحت ادارة خالد بحاح تشبث التجمع الوحدوي بوزارة الثقافة ،ولم يتشبث امينه العام الدكتور المتميز عبدالله عوبل بالكرسي بل دفع بالقاصة الحقوقية الاستاذة أروى عبده عثمان ،

بينما القرار بمنصب وكيل الوزارة لشؤون التراث اللامادي لعبدالهادي العزعزي ،كما تردد يومها ، كان بمثابة  عزاء له من تجمع الاصلاح ، بعد أن استبعده التجمع الوحدوي  من قائمته في مؤتمر الحوار بعد شهر من تدشينه بسبب تخليه عن رؤى حزبه وتبنيه رؤى حزب الاصلاح رب النعمة آنذاك !!