آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

تكميم الأفواه بالنيابة عن من ؟!

السبت - 20 أغسطس 2022 - الساعة 12:00 ص

منيف الزبيري
بقلم: منيف الزبيري
- ارشيف الكاتب


ثمة من يعزو الألق الإعلامي والصحفي السباق الذي تفردت به عدن خلال اربعينات و إلى ستينات القرن الماضي الى  ما اقتضته المصالح البريطانية ، وفي هذا إجحاف كبير بحق عدن التي احتضنت التراكمات الانسانية والتثاقفات الحضارية من قبل خمسة آلاف عام .

ولكم تساقطت عند أقدامها مطامع الغزاة على مر التاريخ ابتداء بالحملات الرومانية التي باءت بالفشل وإلى المحاولات الفارسية البائسة أيضا مرورا بالبرتغال والفرنسيين والعثمانيين وانتهاء بالإنجليزي .

 نعم هيأت الجغرافيا لثغر اليمن الباسم  ما لم تهيؤه لغيرها من الاستراتيجية والالسنة والخلجان البحرية الطبيعية وكذلك تحصينات الجبال المحيطة بها .

 

 (عاصمة دولة الزريعيين) والتي كانت من أهم المدن والموارد الاقتصادية لهم،كما استند اليها قبلهم الصليحيون  و بنو رسول ومن بعدهم  الطاهريون،

لكنها الى اليوم  لم تنل انصافا بعد ، رغم توثيقات  المؤرخون في العصر الحديث بامخرمة والاستاذ حسن صالح  شهاب وحمزة علي لقمان وكما اظن محمد عبد القادر بافقيه ، ولا انسى التحقيقات التأريخية  لسعيد المدى وعلوي عبدالله طاهر .

 

الخصوصيات الايجابية للمجتمع العدني والتي تغذي الهوية الوطنية الجامعة كما هي الخصوصيةالايجابية  للمجتمع الحضرمي..ونحن هنا بصدد عدن التي لم تنفصم عن عراها الوثقى رغم كل المحاولات من قبل الاحتلال البريطاني، حاضرة العرب الأولى باقتدار فائق وبتسامحها الانساني الرحب مازالت تذيب كل التنوعات الخلاقة لتتبلور في طياتها  العاصمة الأممية الرائدة .

وقد ظل تعاطي ابناؤها مع كل من جاءها- زائرا أو تاجرا أو مر بها مضطرا - يخلق لديه انطباعا لا يضاهى، فتعاملاتهم كانت في يوم من الماضي تتجاوز قيود عدن للعدنيين وتنسف قوانين الاحتلال العنصرية الدخيلة والتي تهدف الى سلخها عن أرومتها.

لكنها رغم كل لك الإيثار ظلت تدفع ثمن مدنيتها كما عنون كتابه الاستاذ محمد عباس ناجي الضالعي (عدن تدفع الثمن ) في قراءته المتميزة لبعض المسببات التي انتجت حرب ٩٤ الظالمة وتبعاتها الكارثية التي تكوي اليمن الى اليوم .

عدن فنار الجزيرة العربية في عصور الظلام الدامس  ازدهرت فيها الصحافة التي وصفها أمير الشعراء احمد شوقي :- 

لكل   زمان   مضى   آية

وآية هذا الزمان الصحف .

 

 و في وقت قياسي لحقت عدن  بمصر ولبنان وسوريا وقد سبقت بعضها  من حيث الكم والكيف بالمطبوعات الصادرة منها في حقبة الاربعينات والى ستينات القرن الماضي..

ونؤول ذلك الى  مايتمتع به ابناء عدن  من استعداد وقابلية عالية للانطلاق نحو الغد .

بعد خروج بريطانيا بنصر عسكري وهزيمة اقتصادية في الحرب الكونية الثانية حرصت على أن ترفع  سقف حرية التعبير بصورة اكبر في  مستعمراتها لتكون لها سلطة رابعة ، ومرآة ترى من خلالها أية ممارسات سيئة لمندوبيها السامين واتباعهم،والتي قد تؤدي الى تململ الشعوب وخروجها عن السيطرة . 

و عندما حاول المناضل الشهيد عبدالله علي  الحكيمي الاستفاده من سقف الحرية المرتفع لدى المستعمرات ، وتوظيف ذلك للدفاع على وطنه من خلال تعرية مساوئ ادوات بريطانيا  ، و أثناء سعيه  الى نقل صحيفته (السلام) من مدينة كارديف البريطانية الى عدن أدرك هدفه البريطانيون وفور وصوله عدن عمدوا الى دس سلاح شخصي بين أمتعته اثناء التفتيش واعتقاله بذريعة حمل سلاح غير مرخص ، وتوجيه عدة تهم إليه   منها تنفيذ اغتيالات  وكذا ممارسة الارهاب !! ..وبوسيلة قميئة دسوا السم في طعامه ليقضي نحبه في السجن عام ١٩٥١ م ..

كذلك الاستاذ المعلم عبدالله عبدالرزاق باذيب انتصر لوطنه في كتاباته المهنية الحرة والمعبرة عن معاناة شعبه ، كما انتصر ايضا على  المحاكمات التعسفية التي انكسرت ولم تلو  يراعه الحر بفضل الالتفاف المدني لقرائه من ابناء عدن حوله وتجمهرهم في قاعة وساحة المحكمة ، الأمر الذي جعل البريطانيين يدفعون به للخروج من عدن تحت وطأة المضايقات ، 

وجرى بالتوازي  تنسيقهم سرا مع حليفهم  الامام احمد لإستضافة باذيب ورفيقه عمر الجاوي وآخرين في مدينة تعز ١٩٥٨ واحتوائهم هناك  .

مصادرة الآراء اليوم ومحاولة تكميم الافواه ، والذي قد تتم مناقشته في ظل صمت مخز من قبل القوى السياسية المحنطة إن لم يكن تواطؤ صفيق منها ، لكن المجتمع اليمني اليوم من اقصاه الى أقصاه لم يعد يعترف بهكذا قوى سياسية منفلتة ان تكون ممثلة عنه  ،

و تظل المفارقة العجيبة والتي تحمل دلالات عميقة وهامة انه بذات الاسلوب الغرائبي في بلد يدعي انه ديمقراطي ، تمكن (صالح) عام ٢٠٠٤ م  - وعبر كومبارسه آنذاك  وزير داخليته رشاد العليمي  - من تمرير قانون منع المظاهرات إلا بعد استئذان وزارة الداخلية ، ولها الامر في منح الترخيص من عدمه !! وتمت هذه الجريمه يومها تحت قبة البرلمان وبمصادقة معظم ممثلي القوى السياسية سلطة ومعارطة،

لكن اليوم المحاولة البائسة لشرعنة قمع حرية التعبير وتكميم الافواه بغرض خسيس وهو وأد الهامش الديمقراطي الذي كان عمادا لبناء دولة المؤسسات ،

وأجد محاولة المخبرين اليوم  لتكميم الافواه  يجسدها قول استاذ الاجيال عبد الله البردوني  في قصيدته  حماسيات يعرب الغازاتي :-

كل ثقب لنا به         خبرة الديك بالذره

وسكاكيننا على       أعين الشعب مخبره

 

تكميم الأفواه وخنق الهامش الديمقراطي تحت غطاء القانون بصورة غير مسبوقة في العالم ليس ألا الإنتهاك الاول والذي سيشكل جسرا  لقوى الفساد والاىتهان لممارسة شتى الانتهاكات الأخرى لحقوق الشعب اليمني والعبث ومقدراته وثرواته وامتهان كرامة أبنائه، 

ليس خافيا على أحد الهدف اللئيم من هكذا تقنين زيفا باسم القانون وهوالتعتيم على الشعب ،وحجب أعينه عن ممارسات سلطات الامر الواقع  من تلاعبات صبيانية تفضي الى تجويع ممنهج الشعب المغلوب على أمرع ،ويظل رهان اليمنيين أجمع  على الوعي المرتفع لدى  المجتمع العدني الذي ناصر الاستاذ الرائد عبدالله باذيب وهنا أتذكر بعض أبيات قصيدة بعنوان النجمة  للشاعر عبد الودود سيف يصف فيها عدن 

 

عدن النجمة و البحر  السما 

كعريسين      بحفل   العرس

هيجا شوقا  فأدمى   و دما

وجرى في النفس مجرى النفس 

*.       *

شجنا يملأ  أشواقي  شجن 

وهوى يأخذ  شكل  القبل 

كم تباهى القلب فيها وافتتن

وأعار الشوق  دمع   المقل

كلما اشتقنا وقلنا يا عدن .. 

زيين اليأس ببعض الأمل 

*        *

في هوانا  البكر مدت  سلما 

نحو أعراس الصباح المشمس 

ومضت تختال بالحسن كما 

مايل الغصن قوام النرجس