آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-10:11م

فقدان حقوق الإنسان!!

الإثنين - 15 أغسطس 2022 - الساعة 08:30 م

عز الدين الأصبحي
بقلم: عز الدين الأصبحي
- ارشيف الكاتب


 

شكل حدث وفاة صديق عزيز هو الباحث والحقوقى البارز محسن عوض أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان السابق حدثا يتجاوز مجرد الألم الشخصى على رحيل شخص متميز بسلوكه وعطائه، إلى حديث عن جيل كامل من رواد حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، وعن الحركة نفسها التى تحتاج إلى وقفة طويلة للحديث الذى يتجاوز مجرد وقفة على الأطلال، إلى رؤية نحو استشراف المستقبل.

على صعيد الراحل الكبير محسن عوض فإن علاقة ممتدة لثلاثة عقود كافية لأن أشهد عن تطابق سلوك الفرد وقناعاته. كان عوض منتميا للعروبة صادقا دون شعارات شعبوية، كما كان حقوقيا منسجما مع فكره وحياته. سأذكر موقفا عن إضافة متميزة له حول التحضيرات لمؤتمر دولى مهم هو (المؤتمر العالمى الثالث لمكافحة العنصرية، والتمييز العنصري، وكره الأجانب)، والذى انعقد فى مدينة ديربان فى جنوب إفريقيا فى الفترة بين 31 أغسطس 2001 حتى 9 سبتمبر 2001.

في  أول اجتماع تحضيرى للمنظمات غير الحكومية العربية لمؤتمر ديربان عُملت توصية مهمة وضعها محسن عوض فى البيان الختامي.

التوصية كانت إحياء قرار مجلس الأمن 3379/1975 ضمن جدول أعمال المؤتمر فى مدينة ديربان وهو القرار الذى ينص على أن «الصهيونية هى شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصرى»، ويطالب جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية لأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.

وكانت ضجة لا آخر لها وسببا فى عدم مشاركات أمريكية وإسرائيلية فى المؤتمر.

أما مواقف وقضايا الحقوق مع الراحل فهى كثيرة، وقد بقى لنا طوال أكثر من ثلاثة عقود متصلة بوصلة قياس للمواقف الصادقة فى قضايا حقوق الإنسان، وعقل مستنير فيما يخص قضايا الأمة العربية التى انتمى إليها هو بوعى وإيمان راسخ .

لا أتخيل جلسة القاهرة أو ملتقى حقوقى دون محسن عوض ورفيق دربه النبيل معالى الأستاذ محمد فائق، ورفاق الدرب فى حركة حقوق الإنسان.

وربما أن هذا الحديث ذا الشجون، يأتى على جيل كامل من مؤسسى حركة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، التى تشهد صعوبات جمة من اليمن إلى تونس، وبعد مسيرة إنجاز ملموس لجيل المؤسسين فى صنع بداية مسار سيزدهر ويصبح بعد عقود ظاهرة لافتة.

بعد بداية صعبة تحتاج إلى وقفة تدوين وتقييم جاد بعيد عن مهاترات السياسة المتقلبة حيث كانت الأمور فى ثمانينيات القرن العشرين أقرب إلى المستحيل، وبضعة أشخاص من الوطن العربى المتطلع للانعتاق، يلقون بحجر فى بحيرة راكدة، ويواجهون موجة جمود فكرى ومفاهيم جامدة، دونها تحريك الجبال الراسخة أسهل. فكانت أن أثمرت الحركة التى بدأت ذات لقاء لنخبة لم تجد عاصمة عربية تؤويها فذهبوا إلى البحر، فى لقاء شهير فى عام  1983 بدولة قبرص، أثمر أولى خطوات الحركة العربية وتعزيز المنظمات الصاعدة فى فلسطين وتونس والمغرب، وتأسيس المنظمة العربية، وانفتح أفق جديد لم يتوقف، أثمر أجيالا متعاقبة ما بين سطوع وخفوت، ورحلة بحاجة إلى وقفة تقييم وإنصاف . فمن أجل أن تخرج هذه الأمة من قعر المأساة، وتغادر ساحات الحروب والتشظى الذى لا يتوقف، فلابد من عودة إلى مسار يضمن احترام الكرامة والحقوق ويعطى العقل مكانته، مالم ستطول رحلة التيه هذه.

نعم هناك عديد من التحديات التى يمكن مواجهتها من أجل إعادة الاعتبار لحركة حقوق الإنسان، وفاعلية المجتمع المدني، منها المشكلات مع القوانين المنظمة لعمل المؤسسات، والواقع الثقافى والاجتماعي، والأهم إعادة الثقة مع المجتمع بدور الفاعلين غير الحكوميين، كون بقاء الساحة خاوية فسوف يملأ الفراغ كل عابر ويغيب أصحاب القدرة . وفى كل منعطف للبناء أو صنع السلام يكون احتياجنا لهذا القطاع الذى يجب أن يعود معافى. وعلينا أن ندرك أنه على أقل تقدير، أن هناك عقدا كاملا تبخر من بين اصابعنا جميعا، دون وقفة لوضع رؤية تحدد ماذا تريد هذه الأمة، وأين تذهب أقطارها التى تتشظى ! .

وربما أخطأ جيل الآباء فى عدم خلق بيئة تسمح بتعاقب الأجيال بسلاسة واقتدار، ولكن تردى الحال فى هذا الوطن العربى الممتد من الماء إلى الماء، يفرض ضرورة أن نقف وقفات طويلة لإعادة الاعتبار لكل شيء من مؤسسات، وآفاق التعاون وفضاءات الحرية واحترام الحقوق .

نعم لا نتحدث هنا عن رحيل فردي، بقدر ما هى صرخة ألم على جيل رحل من الآباء ويلحقهم الجيل الثانى الذى هرم قبل الأوان، وجيل ثالث هاهو نراه الآن يفتح عيونه على ساحات شاسعة من الفراغ والتيه.

لهذا نرى موجات الغضب التى لا تتوقف فى شوارع مدننا العربية المتعبة، لأنه لا إطار فكريا ينظم هذا الزخم، ولا كتابا وفنانين ومفكرين يصنعون للقادم ملامح الحلم الممكن.