آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-02:04م

الوحدة تصنعها مصالح الناس ويصونها وجدانهم وليس بالموت والدماء

الأحد - 14 أغسطس 2022 - الساعة 11:27 ص

صالح شائف
بقلم: صالح شائف
- ارشيف الكاتب


سقطت (الوحدة) من حسابات الجنوبيين وماتت في نفوسهم؛ ولم تبقى لها ( حياة ) إلا في جيوب قلة قليلة ممن فقدوا إتجاه البوصلة التاريخي وارتبطت مصالحهم وتزاوج فسادهم مع من اعتدوا على الجنوب واحتلوا أرضه ونهبوا ثرواته؛ وأملنا أن تنتصر جنوبيتهم لصالح شعبهم وقضيته الوطنية العادلة والمشروعة؛ فهم جنوبيون ولهم وعليهم من الحقوق والواجبات مثلهم مثل غيرهم من الجنوبيين.

لقد دفع الجنوب ثمنا كبيراً وغالياً من أجل أن يصنع بالوحدة حدثاً تاريخياً يفتح أبواب المستقبل المزدهر والآمن للجميع؛ غير أن الشريك قد جعل منها كمينا تاريخياً نصبه بإحكام للجنوب وبنية مسبقة وبخطة تآمرية ماكرة؛ وبذلك تحولت الوحدة من مشروع بناء وتكامل وقوة ومنعة؛ إلى وسيلة للانقضاض على الشريك الجنوبي وإسقاط مشروع الوحدة بالحرب على الجنوب؛ والذي خضع بنتيجتها للاحتلال المباشر المكتمل الصفات والأركان.

لقد مورست على الجنوب كل أشكال القهر والظلم والتعسف والإقصاء ونهب ثرواته ومصادرة حقوق أبنائه؛ والتنكر لتاريخه وهويته ومنجزاته الوطنية التي كانت ثمرة كفاح طويل ونضال شاق وتضحيات عظيمة؛ وكأنه لم يكن قائما بذاته كوطن ودولة وهوية؛ بل وذهب المحتلون بعيداً ومارسوا سياسة الإنتقام والتدمير لكل ما له صلة بالتراث الحضاري للجنوب المتعدد الأشكال ولكل ما يعبر عن خصوصياته وخصائصه الكثيرة الغنية والفريدة وطنياً وسياسياً وثقافياً وإجتماعياً.

لقد تعاملوا مع الجنوبيين بتكبر شديد واستعلاء وغرور مشبع بالجهل وغطرسة المنتصر الأحمق؛ بل وضعوهم في مرتبة دونية والنظر إليهم والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة.

ولذلك كله لم يعد ممكناً بل ومن المستحيل أن يقبل الجنوبيين ( بالوحدة ) التي حاولت أن تلغي وجودهم وكيانهم وتاريخهم وحولتهم إلى أقلية مهمشة ومقموعة في وطنهم؛ ولذلك فإن الواقعية السياسية تقتضي بالضرورة الأخذ بها تجنباً لمزيد من الصراع وعدم الاستقرار؛ والإقرار التام بحرية الجنوب وحقه الكامل باستعادة دولته الوطنية الجنوبية المستقلة.

فاليوم أصبح هذا الخيار هو الصائب دون سواه والأنسب والمتاح للحفاظ على علاقات مستقبلية ودية وأخوية بين الشعبين الشقيقين الجارين في الجنوب والشمال؛ والبحث عن السبل التي تؤمن المصالح المشتركة والمتبادلة وتطويرها وحمايتها عبر آليات وصيغ قانونية منظمة لكل ذلك وبما يضمن انسيابها وتنميتها وعلى قاعدة الإخاء والتفاهم والمحبة وصيانة الوشائج والصلات والعلاقات الإجتماعية الواسعة التي تكونت خلال عقود طويلة من الزمن؛ والعمل معاً من أجل ترميم ما كان قد أصابها خلال السنوات الماضية لأسباب معروفة؛ واستعادة روح الإخاء والمحبة القائمة على التعاون المثمر الذي يضمن حقوق الجميع ويعزز فرص الإستثمار وانسياب الحركة التجارية وحرية العمل والتنقل ووفقا لإجراءات وضوابط واتفاقيات بشأن كل ذلك.

ففي مصلحة الناس تكمن وحدتهم وأمنهم واستقرارهم ونضع المستقبل على الطريق الصحيح والآمن لعملية البناء والتنمية وليس بالحروب والتدمير لمقدرات حاضرهم ومستقبل اجيالهم القادمة وبأسم الوحدة التي لم يعد لها وجود فعلياً في حياتهم.