آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-11:55ص

إلى متى ستظل تزهق أرواح هذا الشعب ؟ 3

السبت - 13 أغسطس 2022 - الساعة 12:00 ص

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


لقد خلق الله الإنسان ، وجعل حياته مرهونة بالغذاء ؛ والغذاء لايعني الطعام والشراب وحسب بل هناك غذاء أهم ، هو العلم ، وأول كلمة ينقلها الروح الأمين من الله جل جلاله إلى محمد ، هي اقرأ ، وهذا دليل مادي على عظمة العلم لدى الخالق ، واحتياج المخلوق له ، والإنسان من غير علم لايفرق شيئا عن الصنم ، الذي نصنعه من الحجر أو الشجر أو غير ذلك ، وفي ذلك قال شوقي يمدح الرسول محمد :
أتيت والناس فوضى لاتمر بهم ** إلا على صنم قد هام في صنم.
وربنا - سبحانه وتعالى - قد وصفنا في كتابه (القرآن الكريم) بالأميين ، ولايعني ذلك أننا لانجيد الرسم - الكتابة - والقراءة ، لكنه يعني أننا ليسوا أهل علم ، أي لم يسبق أن أنزل الله علينا - قبل محمد - كتابا سماويا مقدسا ، يعلمنا تنظيم حياتنا في الدنيا والآخرة ، وأمورا أخرى ، ونقيض الأميين أهل الكتاب من الأمم الأخرى ، الذين أنزل الله عليهم كتبا مقدسة بوساطة الأنبياء والرسل ، وهنا تتجلى أهمية العلم لأي أمة ، فالأمة التي لاتهتم بالعلم لافرق بينها وبين الأصنام ؛ لأن العلم للإنسان يعادل الروح ، والإنسان إذا ما تخلى عن العلم فكأنما افتقد الروح ، وبذلك يصبح صنما لاحركة له ولانطق ... وهنا أقف وأستذكر مواقف كثيرة مع بعض طلابي الكرام ، يأتون يريدون الإجازة العلمية ، وإذا ما قلت لهم أنتم لم تحضروا أوقات التحصيل العلمي ، وكذلك امتحانات الفصل ثم العام ، قالوا نحن كنا في الجبهات ... وهنا تأخذني الذاكرة إلى زمن أبعد إذ قرأت لمؤرخ يصف جيش محمد في أثناء فتحه العراق والشام : كانوا في النهار من شدة إقدامهم نحو  الأعداء لاتستطيع رؤيتهم جيدا من نقع الخيل والمشاة - الغبار الصاعد من حركتهم - لكنك ترى وميض السيوف ولمعانها كأنها البروق التي تبشر بنزول المطر ، وتسمع قريعها وصليلها فضلا عن تكبيرات القوم المدوية التي تهيمن على غيرها من أصوات المعركة ، أما إذا ماجنّ الليل فإنك تسمع أصواتهم يقرأون القرآن ، كأنها أصوات خلايا النحل العاملة ... ثم أعود لأنظر في راهننا فلا أجد إلا أوتاد صروح العلم والتعليم تتهاوى أمام ناظري واحدا تلو الآخر ، أعود وأدقق في النظر فأرى كثيرا من أرباب الفكر وأولي الضمائر الحية يصرخون ، يستغيثون طالبين النجدة لعل هناك من يستجيب لتدارك ماتبقى من صروح العلم والتعليم قبل أن ينفذ ماتبقى من الروح فيصبح الجسم شبيها بالصنم ، لكن المستغاث لايأبه لأمر المستغيث  ولايلقي له بالا ؛ لأن فاقد الشيء لايعطيه ، كما يقولون . فلافرق بين أن تكون أميا لاتجيد الرسم والقراءة وبين أن تكون أميا مع أنك تجيد الرسم والقراءة وتحمل شهادة عليا لكنك جاهل ليس لديك من العلم شيء ، وهذا هو المعنى الحقيقي للأمية في كتابنا الكريم ... حقا إن قتل التعليم ابتداء بقتل المعلم هو قتل للروح الجمعية لهذا الشعب ، وأختتم خطابي بالقول لمن يقول لانريد توصيفا للمشكلة وإنما نريد الحلول الناجعة لها ؛ إن الحلول التي من شأنها إحياء المعلم وانتشاله من مستنقع المجاعة ، وكذلك النهوض بالتعليم وافرة لدينا ، ويستطيع القيام بها أولو الأمر في المحافظات ، غير أن هذا الأمر لايتأتى لأحد إلا إذا وجدت الإرادة الحقيقية وصدقت النيات ...  فقط يبقى عليكم أن تطلبوها ونحن على استعداد تام لإرسالها إليكم على الفور .....