آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-04:12م

الكيان أوهن مما تتصورون

الأربعاء - 10 أغسطس 2022 - الساعة 11:59 م

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


لعل مايحدث في فلسطين العربية أمرا يستحق من القلم أن يختطه بأحرف من ذهب ؛ ليبين الصواب لكثير من القراء الذين لاتبلغ قراءتهم أعماق الأحداث ، فضلا عن تأثرهم بالإعلام الغربي ، ومنه الناطق باللسان العربي الذي يهدف إلى تشويش الفكر العربي ، وحرفه عن مسار الصواب ؛ لذلك كله نقول : إن الهزيمة في الإسلام تعرف على وفق فلسفة أخرى غير تلك التي عند الأمم والشعوب المادية ، وأعني بذلك أن الخسارة البشرية لدى المسلمين المجاهدين ليست معيارا من معايير الهزيمة ، ولا مؤشرا من مؤشرات التراجع والانكسار ، بل هي - في نظرهم - قربان من قرابين النصر ، الذي من شأنه الدفاع عن الحق ، ورفع الظلم عن المظلومين ، وإتمام مكارم الأخلاق ، ونشر العدل بين خلق الله ، وغير ذلك ...

ونضرب شيئا من الأمثال ؛ ليعلم الجميع حقيقة معايير الإسلام في دلالات الهزيمة ، ومآلات النصر ؛ لتحقيق الأهداف الكبيرة التي يسعى دوما مجاهدو الإسلام لتحقيقها ؛ من تلك الأحداث محاصرة بني هاشم بقيادة رسول الله في شعب أبي طالب بمكة لبضع سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر من الجوع ، ولم يستسلم رسول الله أو يقبل بالتخلي عن الدعوة للإسلام - هو شرط سادة قريش لفك الحصار - بداعي المعاناة من جراء الحصار ؛ لأن القبول بالمساومة في التخلي عن الدعوة ، هو الهزيمة الحقيقية في نظر رسول الله ، وليس المعاناة في سبيل مواصلتها التي بلغت حد الموت . كذلك يوم أحد ، مع أن المعركة كانت غير متكافئة من قبل أن تبدأ إذ انسحب زعيم المنافقين وبمعيته بضع مئات من المقاتلين ، فضلا عن تفوق جيش المشركين في العدد والعتاد إلا أن رسول الله لم ير فيها هزيمة أو انكسارا ، مع الخسارة البشرية التي تعرض لها المسلمون ، لأنها لم تستطع إيقاف قطار الدعوة الإسلامية أو الحد من سرعته . ولنا عظة وعبرة في غزوة مؤتة التي حدثت في شمال غرب جزيرة العرب ، ودارت رحاها بين جيش الروم الذي بلغ تعداده المائة ألف أو يزيدون وبين جيش الإسلام الذي لم يتجاوز تعداده الثلاثة آلاف ، مع الفارق المهول بين عتاد الفريقين ، أبلى المجاهدون بلاء حسنا ، تجلى في الصبر والجلد والشجاعة والإيمان ، الذي يعجز قلمي المتواضع عن وصفه ، ولنا في بلاء القائد جعفر الطيار دون سقوط راية الإسلام خير مثل ، ولما عادت فلول ماتبقى من جيش الإسلام إلى المدينة المنورة ، قابلهم نساء وأطفال المدينة ، يهتفون فرارا فرارا وينفشون التراب والحصى في وجوههم ، غير مرحبين بعودتهم حتى خرج رسول الله ، يصرخ في النساء والأطفال ويقول : بل كرارا كرارا ويرحب بهم ويثني على بلائهم .

وهنا مع الخسارة البشرية في جيش محمد إلا أن النتيجة لاتعد هزيمة بحسب معايير الإسلام الإيمانية ، والدرس من هذه المعركة للمسلمين يتجلى في النظر إلى المجاهد بأنه مشروع شهادة ، لكسر تجبر الطغاة والطواغيت ، أما الدرس من هذه الملحمة للروم فقد كان أقسى وأبلغ إذ أدرك الروم أن العربي كان يقاتل بشجاعة وصبر وجلد من أجل جاهليته ، فكيف اليوم وهو  يقاتل بروح المؤمن المرتبط بالله ، المكلف بنشر رسالته ، فإذا كانوا قد ثبتوا أمام جيشنا اليوم ، وضربوا أروع الأمثلة في فنون القتال والإقدام ، وعددهم بضعة آلاف وأسلحتهم بدائية ، في الوقت الذي يبلغ تعداد جيشنا عشرات الآلاف ، ومجهز بأحدث التجهيزات الحربية وأضخم المعدات القتالية ، فكيف سنستطيع مواجهتهم في الغد القريب عندما يزحفون علينا بجيوش جرارة !!! أما مارأيته وأراه في هذه الليالي والأيام من مواجهات قتالية بين المقاومة الإسلامية وهي تدافع عن الأرض والعرض في فلسطين وبين الكيان الصهيوني وعدوانه الغاشم المتكرر على أهلنا هناك أمرا يحقق مفارقة كبرى في النزال القائم بين الأمة وبين عدوها التاريخي ،

قبل أن أتحدث أخي القارئ عن المفارقة الكبرى ، أود أوضح لك أن مناسبة هذا المقال إنما هو ماسمعته وقرأته من المدونات والتغريدات التي ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المأزومون والمهزومون العرب ، فضلا عما تورده بعض القنوات الإخبارية الناطقة بلسان العرب ، وبإيجاز كل مايقال من أولئك لايخرج عن دلالة القول : إن حركة الجهاد الإسلامي ومن معها من فصائل المقاومة إنما يعملون على تدمير الفلسطينيين إذ يتسببون بإطلاق صواريخهم البدائية على الكيان الصهيوني في تدمير غزة وأهلها الذين سئموا هذه الحروب المتتابعة ، ولم يعودوا يحصلون على الكساء والطعام والدواء وانقطاع الكهرباء لأوقات طويلة في غزة ، ولو ترك هؤلاء الشعب الفلسطيني يتعايش مع الصهاينة لكان المواطن الفلسطيني اليوم في أفضل حال ، إن من يسمون أنفسهم بالمقاومة لايدركون قوة جيش الكيان ومالديه من أسلحة حديثه ، إنه الجيش الذي لايقهر ...

ولو نظر هؤلاء بعين المؤمن لأدركوا الانتصارات التي تحققها المقاومة كل يوم ، وأنها قد قهرت جيش الكيان الذي يظن أولئك المأزومون أنه لايقهر ، أقول لهم إن المفارقة الكبرى تكمن في اننتصارات المقاومة المتتابعة على جيش الكيان الذي أصبح يعاني من انتحار ضباطه وأفراده يوميا جراء الرعب الذي يعيشه من ضربات المقاومة ، أقول لكم أيها المهزومون إن جيش الكيان كان لايقهر يوم كان يواجه جيوش أنظمة العرب مجتمعة فيحسم المعركة في يومين أو ثلاثة إن لم يكن ذلك في ساعات ، فتولي جيوشنا الأدبار ، تجر أذيال الخيبة والهزيمة ، وينتشر جيش الكيان ويتمدد كالسرطان في أمصار العرب ، يمتص الثروات وينهب الخيرات . 
أما دور أنظمة العرب فلايختلف كثيرا عن الدور المناط بكم اليوم ، أي يقومون عبر استخباراتهم ومنظريهم ومثقفيهم بتكريس مبدأ الهزيمة في نفوس وعقول الجيوش والمواطنين ، حتى نبقى أمة لاخيار لها سوى التسليم والاستسلام للطاغوت وجبروته .

لكن المقاومة بإيمانها وصبرها وصمودها وثباتها والاعتماد على نفسها استطاعت أن تخلع كابوس تكريس الهزيمة الذي كان قد ران على قلوب الأمة ، وتصنع معادلة جديدة في مواجهة الكيان ، عنوانها ؛ الكيان أوهن مما تتصورون ، وإذا هناك من نصر للكيان فهو في تحييد بندقية بعض فصائل المقاومة عن المعركة الأخيرة  وحسب .....