مؤسساتنا الحكومية .. وضرورة التدوير الوظيفي

لم نستغرب كثيراً حينما طرح الأخ المحافظ الجديد الأستاذ مبخوت مبارك بن ماضي قضية التدوير الوظيفي كون هذا الأمر بقي مجمداً لسنوات طويلة .. غدت فيها الوظائف المرموقة والمحورية وكراسي المسئولية مقتصرة على شخصيات محددة .. حتى بات الأمر أشبه بالملكيات والإقطاعيات .

فما إن يحل شخص ما في مسئولية ما فإنه يبقى فيها .. مهيمناً على مقاليدها .. محيطاً نفسه بحاشية من أهله والمقربين منه ويستميت في الإفادة منها لمصالحه الشخصية .. غير آخذٍ في الاعتبار مصلحة الناس وخدمة الوطن .. وهنا تكمن المأساة.

بالتأكيد ترجف قلوب الكثير من المسئولين الذين لا يخفى أمرهم على الشارع .. حينما يسمعون بهذا المصطلح المرعب في نظرهم ( التدوير الوظيفي ) .. بل وربما تنتابهم الكثير من الكوابيس المزعجة حينما يفكرون في مفارقة ما هم فيه من نعيم مقيم .. غير مستعدين في قرارة أنفسهم لترك الوظيفة لمن هو أكفأ وأقدر.

فالشباب المؤهل المتعلم أصبحوا أولى وأقدر في ترك الفرصة لهم كي يثبتوا أنفسهم ويقودوا دفة السفينة .. فهم أكثر عطاءً وأوفر نشاطاً وأكثر اطلاعاً بمتطلبات الحاضر من ثلة من الشيوخ الهرمين الذين شابت مفارقهم وهم قابعون على كراسي ضاقت بهم قبل أن يضيق بهم الشعب نفسه.

وهنا تحضرني بعض الحقائق المضحكة مما يدل على انفصام أولئك القوم عما يدور في واقعهم .. من ذلك جهل الكثير منهم بوسائل التواصل الاجتماعي بل حتى بكيفية استخدام التقنيات الحديثة كالإنترنت ووسائل الاتصال .. 

واقتصار معارفهم السطحية على ما تنقله لهم الحاشية بحيث يوصلون إليهم ما يرغبون في سماعه ويحجبون عنهم الكثير مما يعتمل في الشارع ومما يمور في مواقع التواصل الاجتماعي ( السوشيال ميديا ) .

وكنتيجة محتومة لغياب التدوير الوظيفي ومحاربة كل من ينادي بهذا المبدأ .. وبالمقابل تسيد مفاهيم الانتماء والوساطة والعلاقات في شغل الوظائف الهامة والمفصلية .. استوطن الفساد بشقيه المالي والإداري مفاصل إداراتنا ومكاتبنا.. ولعلنا لا زلنا نعاني من هذه الآفة المهلكة إلى الوقت الحاضر.

وبغياب التدوير الوظيفي غابت المليارات من الدولارات في دهاليز النهب والشفط والفساد عبر صفقات الفساد المتنوعة .. في ظل تنامي واتساع فئة كبيرة من الشعب الفقير المعدم الجائع الآخذ في التهاوي يوماً عن يوم مالم يتم قطع دابر تلك الشرذمة الفاسدة.

فهل يفعلها محافظنا الجديد .. ؟!! .. ويسن سنة طيبة هي ( التدوير الوظيفي ) التي طالما حرص السابقون من المسئولين والممسكين بزمام الأمور على قتلها والقضاء عليها واستنفدوا جهدهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه حرصاً على مصالحهم الشخصية .. حتى وإن هلك الناس من بعدهم وتخطفتهم جوارح الفقر والجوع وهوت بهم ريح الفناء في مكان سحيق.