آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-08:31ص

عبقرية المشهور .. المصداقية المتوازنة (6)

الثلاثاء - 09 أغسطس 2022 - الساعة 12:10 م

هاشم بن عبدالله الحامد
بقلم: هاشم بن عبدالله الحامد
- ارشيف الكاتب


عندما سُئِلَ بديع الزمان النورسي رحمه الله  بماذا نبدأ ؟ وما الذي يلزمنا حتى نبدأ ؟
قال : يلزمنا الصدق. 
فالصدق أساس الإيمان ولب الإسلام، وهو الخطوة الأولى لمن يبحث عن النجاح والتميز، لأنه بالصدق تتحقق الأهداف والوصول للغايات، وبالصدق نصل إلى معالي الأمور وكمالاتها ،  فهو صانع القيم وإمام الفضائل، فلا يُتصور أن يكون إنسان قويا عزيز النفس وهو ليس صادقا، حتى ثقة الناس لا تعطى إلا للصادقين، بل لايمكن أن يتحمل الإنسان الأمانة وهو غير صادق، فالتواضع صدق ، والرحمة صدق والرفق صدق إذا فالصدق هو مجمع الأخلاق.

 وعلى صفات الصدق  كانت أخلاق فقيد الأمة الحبيب أبي بكر المشهور رحمه الله ، فقد كان لايطلب لنفسه ما لا تستحق، ولا يتقمص شخصية غير شخصيته، ولا يلبس ثوبا ليس له ، وكان صادقا في بيانه وفي نقل معلوماته ، وفي عواطفه،  وفي علاقاته وفي اهتماماته والأهم من ذلك إنه كان صادقا في قناعاته، معتزاً بهويته وأصالته، زاهدا فيما في أيدي الناس، واضح المعالم، متحققا بالمكارم، بارزة علامات التفوق والجودة لديه كان متناغما في مصداقيته وتوازناته .

    ولقد جعل الله جل جلاله لمسيرة حياته القبول عند الكثير، وكان  يوجد من  يعاديه ويجافيه ويتهمه بالضلال والانحراف، وهذه سنة لم يسلم منها حتى الأنبياء والأولياء لكنه كان يتكئ على القطب الأعظم الذي عليه ملاك الدين وجوهره ولبه والمتمثل في مصداقيته المتوازنة والمستدامة طيلة عمره مستمدا قوته من سيد الصادقين، الذي اشتهر في الوجود بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله الأنبياء والمرسلون قال الله تعالى فيهم:  ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا ).

     لقد كانت مصداقيته  تظهر جلية من خلال تحذيره من قواطع الطريق، ومن حصائد الألسنة التي أكبت بأناس في النار، وكان يحذر من الإسراف والبذخ ومجاوزة الحد في الأقوال والأموال  والأحوال فكأنه يقول إنك عندما تظلم نفسك فإنك تبعدها من عطاء الله.

   ولقد كانت يقظة فكره ، وكثرة ذكره، وصفاء جوهره جعلته يعيش حالة توازن عجيبة في جميع أطوار حياته، شابا وكهلا، وإماما وخطيباً ، وكاتبا ومفكرا، ومعلما ومربيا ،  فيتعامل بوسطية بين قيم العلم، وقيم العمل  وبين صدق الحديث ورقة القلب، و بين طلب المال، و المسارعة في الإنفاق بل امتدت توازناته الصادقة إلى اعتداله في مأكله وعبادته، و الاستمرارية في الأمر بالمعروف مع المعادي والمخالفة.

         كان رحمه الله يسير بعجلة توازنه  بالمصداقية والشفافية يردد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم :(ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء برأيه) ،  وكان يحذر من الفقر المنسي وعواقبه على الأمة ويُنذر من تخمة الغنى المطغي الذي صُوَره تَظهر في صور الأزمات والاعوجاجات والأثرة وحب الذات   والفساد والظلم.

   لقد كان فقيد الأمة يدعو إلى القواسم المشتركة في  المعارف والعلوم والتمسك بأدب الخلاف والاختلاف، وأن نكون فوق النفسيات والغرائز والشبهات، بل نكون مثل البدر الذي ينور الحياة . فنربي أنفسنا على الكمال، ونعرض أعمالنا على القرآن ونكثر من الزاد فإن السفر طويل .

وللحديث بقية
هاشم بن عبدالله الحامد