آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-11:06ص

يوم عاشوراء ثورة على الظلم والطغيان ,

الثلاثاء - 09 أغسطس 2022 - الساعة 12:04 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


على القدر الذي تبدو فيه ذاكرة التاريخ البشري مشحونة بالأحداث , والمواقف , والذكريات ..الجديرة بالتوقف , والتأمل, والاستقراء , والتحليل , والإستنتاج ...بيد أنَّ أياماً بعينها كانت ولا تزال علامات فااارقة , ومعالم هداية حية مشرقة متوهجة في ذاكرة التاريخ .
تلك المواقف , وتلك الأحداث , وتلك الذكريات..هي بمثابة نفحات ربانية , وإلهامات سنية بسرّ الحياة , وبقيمة الاستخلاف في الأرض الذي تُلَحُ حاجته إلى النماء , والتطور , والتجديد , والتنوير .

ولعل القيمة التاريخية لتلك الأيام تكمن فيما تجود به من عِبِرٍ وعظات , ودروس ..هي بمثابة مستودع الخبرة البشرية , ومعينها الذي لا ينضب خيره , ولا تنعدم فوائده .

وكان يوم عاشوراء واحداً من تلك الأيام الخالدة في ذاكرة التاريخ .. وذلك لارتباطه بأهم حدثين تاريخيين وقعا فيه , وكان الرابط بينهما البحث عن قيمة إنسانية سامية ( *تمثلت في الصراع لأجل  حرية الإنسان , وصون كرامته* )
وكذلك في الثورة على الظلم .

ونحن إذ نستقرأ هذين الحدثين _ في مثل هذه الظروف التي تمر بها أمتنا الإسلامية _  نرمي إلى إعادة إنتاج الفعل الحضاري الإسلامي بطريقة تليق بخبرة خير أمة أخرجت للناس .
كما أنها محاولة تمتزج فيها المعطيات التاريخية الحية بحركة الواقع في الوعي البشري ليحدث التناغم المُرتجى بين الماضي والحاضر , والذي يهيأ الإرادة العازمة الجازمة , لتفعيل مقومات الماضي الحضاري ...لميلاد جيل التغيير التواق للحرية , والانعتاق من جبروت الطغيان .

تمثل الحدث الأول والأبرز والأهم في الصراع الطويل والشاق بين سيدنا موسى _رافع لواء الحرية , والداعي لهدم معبد الطغيان , والإنفكاك من قيود الاستبداد _ مع الطاغية فرعون _ رمز الفساد, وعنوان الإستبداد, ورأس الظلم ..

فمن هنا تكمن القيمة الحقيقة ليوم عاشوراء ..
فإلى جانب أنه يوم خالد من أيام الله , فهو كذلك اليوم الذي دُشِّن فيه المشروع الإصلاحي الرباني , لإقرار حقوق الإنسان , وحريته , وإعادته إلى موقعه على خارطة الاستخلاف والإمامة في الأرض , وانتزاع مقاليد السيادة من أيدي المستبدين والطغاة والظلمة ,,

هكذا تمثلت تلك المواجهة بين هذين المشروعين ( *مشروع التحرر , ومشروع الاستبداد*) 
وهكذا حمل كل من موسى وفرعون لوائه وحشد كل طاقته وقوته للدفاع عن مشروعه ...ودخلا في صراع شاق ومرير وطويل ...إلا أنَّ العاقبة للمتقين , وكانت الجولة الأخيرة انتصاراً للحرية على الاستبداد , وأفول دولة الظلم ,,

ولما لهذا الحدث التاريخي الهام من أهمية في حياة الشعوب التواقة للحرية ..
كانت لفتة النبي لهذا الحدث في غاية الأهمية ..
فعندما وجد اليهود يصومون هذا اليوم تعظيماً لتلك الذكرى التي انتصر فيها موسى على فرعون ...
قال عليه السلام : نحن أحق بموسى منكم فأمر بصيامه ..
وذلك تخليداً لانتصار الحق على الباطل , وليكون كذلك نبراساً للنفوس التواقة للحرية , ولتستلهم الأمة منه الدروس والعبر حينما يتسلل وغدٍ على حين غفلة ويتعدى على حرية الآخرين , أو يغتصب السلطة بقوة السلاح .

وأما الحدث الثاني الذي سُجل في يوم عاشوراء كذلك فهو حدث مقتل الإمام الحسين ...
ذلك الثائر البطل الذي وقف في وجه الباطل , ورفض فكرة الاستبداد , واغتصاب السلطة من قبل يزيد بن معاوية ,,.
وخط بدمه الطاهر أنَّ الإسلام كان ولا يزال ثورة في وجه الظلم, والجبروت , والفساد والإفساد..
وعمد ذلك المبدأ بروحه الطاهر , وثبت تلك المعاني بحياته الكريمة ِ

لقد كانت ثورة الحسين ضد يزيد غضباً للدين, وقياماً بالحق , ورفضاً للملك العضوض .
وقد نحا هذا المنحى منذ أن اغتصب معاوية الحكم بقوة السلاح, وانحرف منذ الوهلة الأولى عن جادة الطريق , وجانب الصواب ..
وقد رُوي عنه أنه قال لمعاوية ( *ما أطنُّ أنَّ لي عذراً عند الله في ترك جهادك , ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة* ),,

ثار الحسين لتثبيت مبدأ الشورى , ولرفض فكرة الملك العضوض... لطائفة , أو جماعة , فئتة تحت أي مبرر ..
ودعا _وبقوت_
إلى رفض الإستبداد والقهر , والطغيان بكل أشكاله .

لقد سجل التاريخ  أحداث تلك الواقعة الأليمة على قلوب المسلمين في مثل هذا اليوم...
ورغم مرارتها إلا أنها ستظل ملهمة لعشاق الحرية , ولطالبي الحياة الكريمة .

أما ما يفعله الشيعة في هذا اليوم  من أعمال في تتنافى مع روح الدين , والفكر السوي  ...
فهي تصب في خانة الظلمة الذين اغتالوه بالأمس , ولا يزال السائرون على نهجهم يقتاتون على وجع تلك الفاجعة الأليمة ,.

هكذا شاءت الأقدار أن يحمل لنا يوم عاشوراء تلك الذكريات , وأن تحصل فيه مثل تلك الأحداث الجسام لحكمة يعلمها ربنا سبحانه ...

فبينما لنتصر مشروع سيدنا موسى على فرعون ...وكانت الجولة الأخيرة للحق ...

هنا أخفق الحسين في تحقيق هدفه الذي خرج لأجله ...
لكنه إرسى مبدأ في غاية الأهمية , وثبت معاني إسلامية أصيلة كان لها صداها على مدى التاريخ الإسلامي منذ ذلك اليوم وحتى الساعة ...
( *تمثلت في رفض الظلم , واغتصاب السلطة بقوة السلاح*)

والدعوة إلى تحقيق مبدأ الحرية والمساواة , والعدالة الاجتماعية .