آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-11:40ص

الصورة الرقمية وحق الطفل في الخصوصية

الأربعاء - 03 أغسطس 2022 - الساعة 10:31 م

هبة العيدروس
بقلم: هبة العيدروس
- ارشيف الكاتب


   هبة علي زين عيدروس 
باحثة دكتوراه في القانون الجنائي 
كلية الحقوق/ جامعة عين شمس
                                                                                                                  
"علي" طفل يبلغ من العمر (8) أعوام، قام أحد والديه بنشر صوره من حفلة عيد ميلاده على صفحاتهم في الفيسبوك مشاركين الجميع سعادتهم بطفلهم. لكن عندما بلغ علي سن الـ (15) عام تعرض لتنمر في المدرسة بسبب مجموعة من زملائه حصلوا على صور مزعجة له نشرت على الانترنت قبل (7) أعوام، وكان علي يعاني نفسيا جراء التنمر عليه بسبب صورة قديمة. هذه القصة من نسج خيالي الغرض منها مشاركة شعور كل طفل قد يكون ضحية فعل غير مسؤول لوالديه .
صورة "علي" هي حق شخصي خاص به، والصورة عنصر من عناصر حق عام وأصيل يتمثل بـ الحق في الخصوصية  يتمتع به كل إنسان على وجه الأرض دون تمييز في الجنس أو العرق أو اللون أو العمر، لعلي أو غيره أن يعترض على نشر صورته أو استعمالها أو تداولها بأي شكل من الأشكال، وقد حمت التشريعات الدولية والوطنية هذا الحق. وفي ظل التطور التكنولوجي والرقمي  بات الاتصال والتواصل مع العالم الرقمي بصفة يومية ولفترات طويلة من خلال شبكة الانترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعي نلاحظ انتشار صور لأطفال لا حصر لها وأصبحت متاحة على على المواقع وفي تزايد مستمر، بل وتحصد تفاعلا كبيراً من رواد هذه المواقع .
لماذا نسلط الضوء على حق الطفل في الصورة ؟ 
لأن الطفل لا يملك الوعي والادراك الكافيين لفهم ماهية هذا الحق وكيفية ممارسته دون أن يتسبب بضرر يلحق به. ستبادر إلى الذهن مباشرة أن والدا الطفل هما المسؤولان عنه وعن حماية حقه ومصلحته، لكن هل فعلاً يتوافر لدى كل والدين الوعي الكافي بحقوق الطفل وفي مقدمتها حقه في الصورة ؟ وهل يدركان خطورة نشر صور أطفالهم في مواقع التواصل الاجتماعي دون اتخاذ بعض الخطوات الوقائية لتجنب أي أمر قد يطرأ أو يستغل مستقبلاً؟ هذا التصرف إن كان بغير قصدٍ و وعي  للمخاطر التي قد تهدد حياة أو سلامة أو مستقبل الطفل بالخطر سواء المادي أم المعنوي  قد يتسبب بضرر قريب أو بعيد نتيجة غياب الوعي السيبراني / الرقمي لدى الأسرة أو الوالدين . فالصورة الرقمية هي تمثيل للصور الثنائية الأبعاد على الحاسوب بواسطة رقمي الصفر (0) و الواحد (1)، وتتكون كل صورة رقمية على الحاسوب من البيكسل الذي يمثل أصغر وحدة في الصورة. وكل صورة هي عبارة عن مصفوفة مكونة من صفوف وأعمدة من البيكسلات، حيث أنه كلما زاد عدد البيكسل زاد وضوح الصورة وجودتها. لذلك تُعدُّ الصورة من البيانات الشخصية التي تحدد هوية صاحبها لذلك تندرج ضمن الحقوق الشخصية الخاصة بكل فرد دون استثناء المحمية بموجب القانون .فمن يقوم بنشر صورة لطفله على أي موقع على الإنترنت يمكن الحصول عليها من خلال البحث عبر مؤشرات البحث حتى إن قام الناشر بحذفها من موقع النشر في العالم الرقمي. 
أين يكمن انتهاك حق الطفل في الصورة وخطورته ؟ 
سبق أن أشرنا إلى أن حق الطفل في الصورة ينبثق من حق أصيل هو الحق في الخصوصية التي تخوله الاعتراض على أي فعل أو تصرف ينتهك خصوصيته سواء سبب له ضرر أياً كان نوعه أو درجته أم لم يسبب له ضرر. لكن نشر صورة طفل في العالم الرقمي قد يعرضه لخطر الوقوع ضحية الاستغلال الجنسي أوالابتزاز أو حتى الاختطاف من خلال تتبع بصمة الوالدين الرقمية والتي يظهر اويتواجد فيها الطفل والمنشورة في مواقعهما عندما يقومان بنشر يومياتهما وأحداثهما الشخصية أو العائلية و مناسباتهم الجميلة لغرض الانتقام أو الابتزاز المالي أو غير ذلك.  
ولأهمية هذا الحق وحساسيته فقد تمت النص عليه وحمايته في التشريعات الدولية حيث تنص المادة (12) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: " لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات"، وتنص المادة (17) من العهد الدولي الأول للحقوق المدنية والسياسية على أن" 1. لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس". كما  تنص المادة (16) من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أنه " 1) لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.2) للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس". إلا أن لم نجد نصاً صرحاً لحماية الحياة الخاصة في الدستور، لكن يوجد نص يشير إلى حرية المراسلات بجميع أنواعها وحظر مراقبتها أو تفتيشها الا بإذن قضائي وفق المادة (53) من الدستور، وتنص المادة (256) على حماية الحق في الحياة الخاصة من الاعتداء وفق قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لعام 1994. إن جميع هذه النصوص تؤكد على حق الطفل في الخصوصية وبما أن الصورة عنصر من عناصر الخصوصية ولم تمثله الصورة من معلومات وبيانات تشكل هويته الرقمية وفي حالة نشرها أو تداولها أو ادخال تعديلات عليها لاستخدامها لغرض معين سيؤدي ذلك الى وجود بصمة رقمية لهذا الطفل يسهل الوصول اليه وقد تعرضه لأي خطر أو ضرر مادي أو معنوي في أي وقت. لكن قانون رقم (45) لعام 2002 لحقوق الطفل لم نجد فيه نصاً صريحاً يؤكد على حق الطفل في الخصوصية في حين أن هذا القانون بموجب المادة (2) الفقرة (4) تنص على أنه يهدف إلى حماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال واعتبارها أفعالاً يجرمها القانون وبيان العقوبات الخاصة بمرتكبيها ، وبالرغم من وجود هذا الهدف الواسع الذي شمل كل أنواع الاستغلال دون استثناء إلى أننا لم نجد سوى نوعين هما الاستغلال الجنسي والاقتصادي الواردين في المادتين (147، 148) وهما نصان غير كافيان لاستيعاب كافة الأفعال التي تنتهك حقق الطفل في جسده وسلامته ، لأن الباب الثالث من هذا القانون وهو الجزء الخاص بالحقوق المدنية للطفل تطرق فيه إلى حق الطفل في الاسم والجنسية وقيد المواليد (الفصل الأول)، والأهلية في الفصل الثاني. لم يكن المشرع اليمني موفقاً في سن هذا القانون على الرغم من حرصه على الحقوق الشرعية ونصه على حماية حقوق الطفل وفق الشريعة الإسلامية كما ورد في أهدافه إلا أنه لم يفرد نصوصاً واضحة لها وكأن هذا الطفل لا يملك شخصية مستقلة عن والديه!! وهذا غير صحيح فهو يمتلك شخصية منذ ولادته غير أن الاستقلالية مقيدة بسن الأهلية الكاملة واعطي الحق في تحمل مسؤولية هذا الطفل لوالديه حتى سن البلوغ. 
لذلك نتطلع إلى أن يكون هناك تعديل لقانون حقوق الطفل مستوعباً لكافة الحقوق و وضع بعض النصوص العقابية على الأفعال المادية والرقمية لغرض تحقيق الحماية الكافية للطفل، فوفق القاعدة الفقهية (الخاص يقيد العام) فإن وجد النص المناسب والمستوعب لظروف التشديد في القانون الخاص سنكون أمام قانون يهدف فعلا إلى حماية الأطفال والمجتمع وردع كل من تسوق له نفسه انتهاك حقوق الطفل سواء في الحياة التقليدية أم  الحديثة "الرقمية". 
نحن اليوم نعيش في عالم رقمي ونقضي فيه معظم الأوقات ونقوم باجراء تعاملاتنا المختلفة أو نمارس أعمالنا أو نقوم بالاتصال والتواصل مع الأهل والأصدقاء وممارسة بعض الأنشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وجميع هذه الأعمال والنشاطات إن لم توفّر لها بيئة آمنة ومحمية بموجب القانون والأجهزة المختصة سنواجه مشكلات لا حصر لها، وفي ظل غياب التشريع والكادر المتخصص والمؤهل لن نستطيع أن نكون في سلامة وأمان من الاعتداءات المتنوعة التي تستهدف الجميع بما فيها الطفل الذي يمثل أضعف فئات المجتمع، وهو ما قامت به العديد من دول الخليج وجمهورية مصر العربية، حيث شرعت هذه الدول قانونين هما: قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون حماية البيانات الشخصية والذي ينصان على حماية بيانات الطفل الشخصية واعتبارها بيانات حساسة؛ لأن هذه الدول استوعبت جيداً مخاطر العالم الرقمي التي قد يتعرض فيها الطفل من خلال استخدامه للوسائل الحديثة دون رقابة ومتابعه من والديه أو إهمال وتقصير الوالدين في استيعاب هذه المخاطر، ولا عبرة بالجهل في القانون لأي إنسان كامل الأهلية.