آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-06:46م

رجل الأخلاق (3)

الأربعاء - 03 أغسطس 2022 - الساعة 02:54 م

هاشم بن عبدالله الحامد
بقلم: هاشم بن عبدالله الحامد
- ارشيف الكاتب


  يقاس الإنسان بقيمه وأخلاقه وتدينه ومركزه، وسمعته، وإنجازاته، وفلسفته، وأساتذته ، وأقرانه وبصمته في أتباعه وما  يتركه من أثرٍ بعد موته، ومن ذكر حسن بعد وفاته : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } [يس: 12].

  وتبقى  مكارم الأخلاق هي دُرة العقد اليتيمة ، و الجوهرة النفيسة من عزز قيمتها الثمينة، أفضل الخليقة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فجعل لها الحظوة والمنزلة والمرتبة الرفيعة بل وسبباً لكمال القرب والدخول في مقام الحب من ذاته الشريفة  ، ( إن أحبكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) ، فهي تتساوى مع العبادات، وربما تفوقها فضلا وأجراً ، ولقد كان فقيد الأمة الحبيب أبوبكر المشهور رحمه الله يحمل مشروعاً أخلاقياً يستقي ينابيعه الصافية من الكتاب و السنة، ومن صدور الرجال أهل السداد و الإسناد فارتقى بخلقه  إلى عالم العاليات كان يختار أطايب الكلام والذوق في الفعال ، ولايوجد في  قاموسه النابي من الأقوال أو الفاحش من العبارات حتى في مزحه لم يكن بذيئا ولاصخابا ، كان متوازنا يجمع بين المثالية والواقعية والربانية والإنسانية.

   لقد عهدناه سنين طويلة سفرا وحضرا في أفراحه وأحزانه، فلم يكن متكلفا ولا متعاليا قط كان هينا ليناً يمارس البساطة وهي التي أسر بها قلوب من خالطه وعرفه  كان على طبيعته وتلقائيته مع صفاء جوهره ، كان يرى نفسه  فردا من أفراد مجتمعه لايعرف التصنّع أو التلون ، كان في بداية مراحل الدعوة  يسوق سيارته بنفسه ويأكل وينام مع طلابه، كان يعتنق البساطة فعانقته الحياة. كنا نستقرئ منه مفردات الأخلاق 
النبوية التي وصفها الصديق بقوله :( ارقبوا محمدا في أهل بيته )

  وكان رحمه الله رحب الصدر وكريم الخلق جابراً للخواطر  يمدح أي إنجاز ولو كان بسيطا، ويعطف على أصحاب القلوب المنكسرة و يندمج مع الصغير والكبير والرفيق والجافي والمحب والمبغض، كان يملك مفاعلا للتحفيز  والتشجيع، ومنجما للأدب الرفيع.

كان متفائلا بساما مزاحا في أغلب تصرفاته. ينظر للأحداث من زواياها وعمقها  فيوجد حلولاً من داخلها ، من يجالسه يأخذ التفاؤل من أنفاسه ،  ، وكانت معرفتي به منذ ثلاثين سنة، وطول هذه المدة كان مثلا أعلى في التمسك بأهداب الدين وصلابة العقيدة وصلاح العمل وحسن الخلق، موافقا مظهره لمخبره شفيقا عند إرشاده عزيز النفس أسدا مغواراً لايخنع لمن يريد مس كرامته. 
    ومن أغرب ما نسمعه في هذه الأيام ارتفاع بعض الأصوات للنيل من مقام هذا الإمام رحمه الله والحاصل أن كلماتهم تبقى سفلية منحطة تدل على انحدار أخلاقهم، وتعود عليهم لأنهم ينطقون بما يكذبه العقل ولايقبله المنطق  لأنه رحمه الله قد استولت عليه مخافة الله في أمر دينه وكان صاحب صفات حميدة .


وللحديث بقية


هاشم بن عبدالله الحامد