آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-06:59ص

مستعمَرة الأقروض.. درة تاج سُلطة تعز

الثلاثاء - 02 أغسطس 2022 - الساعة 08:11 م

فرج العامري
بقلم: فرج العامري
- ارشيف الكاتب


لم يُتوجّ نضالُ اليمنيين وكفاحهم طوال العقد الماضي ومطلع الأخير سوى بمزيدٍ من تلك النتائج السلبية والتي هي ذاتُها الأسباب التي ثاروا عليها وناضلوا ضدها.. ظلماّ أسود ينتشر، وفقراً مدقعاً يتفشى، وجهلاً ضارباً يستفحل، وفساداً ذو أنيابٍ فولاذية تنخرُ في نخاعِ العظام.

أما عن "تعزّ" _حالمة اليمن ورائدة الثورة وعاصمة الثقافة_ فإنَّ لها حكايةً أخرى، فكما عاقبها التحالف لريادتها الوطنية هاهم أبناؤها المتحكمون بها يذيقونها مُراً يفوق مُرّ الأمرين " مر الحوثي ومر التحالف" بشكلٍ مؤلم، والأشد إيلاماً أنهم بأفعالهم تلك "يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعا".

وعن عزلةِ الأقروض التابعة لمديرية صبر المسراخ، كمجرد مثالٍ، حدّث بأعلى صوتك ولا حرج. فالواقع فيها أغربُ من الخيال، ولولا أنّني أحدُ أبناءِ هذه العزلة المعزولة عن دائرة اهتمامات جميع الحكومات المتتابعة،  لما استوعبت حصولَ مثل هذه الأشياء ممن نرى أنهم لن ينزلقوا إلى مثل هذه المزالق!
نِقاطُ جبايةٍ موزعةٍ على طول الطريق بمباركةٍ رسمية، تقوم بسلخ المواطنين ليلَ نهار بكل المركبات المارة من شاحنات ودناقل وسيارات والتي يصل متوسط عددها _ بحسب أبناء المنطقة_ إلى 1500 مركبة تدفع مبالغ مقابل السماحَ لها في العبور ، تصل في بعضها إلى الـ 50 ألف ريال!  بما يعني وصولها إلى عشرات الملايين يومياً، بينما تعاني تلك الطريق من إهمالٍ صارخ وتردٍ رهيبٍ تسبب بحوادث مرور دامية تتكرر بين الفينة والأخرى، أُزهِقت جراء ذلك أرواحٌ كثيرة ذنبها أنها في بلدٍ انعدمت فيه الأخلاق والنزاهة والمسؤولية..
لك أن تتخيل أن تكون سائق مركبةٍ تدفع الآلاف من كدّ عرقِك في كل عبورٍ ومرور ثم ينتهي بك الأمر إلى حادثٍ يتسببُ بموتِك وتَيتُّمِ أولادك وخسارة مركبتك! تدفع كل هذه الأموال في سبيل مخاطرةٍ غير مضمونة النتائج! وإن لم تدفع فستجبر بالقوة ، وطِبان الآلي على شوقٍ لكي يرقص _ كعادته_ رقصته اللحجية بشكلها المسعور فوق منكبيك، أيُّها العابر الضعيف! أقول هذا بمرارة ولا مجال لسوى ذلك.

أما عن السلطة المحلية للمديرية، هدانا الله وإياها إلى مافيه خير العباد، فهي مع نزاهتها ونظافة يدها كما يؤكد البعض، ونحن بدورنا لا نتهمها بشيء سوى أننا نراها تبذل على استحياءٍ جهوداً ملحوظةً لكنّها غير مثمرة، لا ندري سبباً لذلك هل أن تلك الجهود في حقيقتها دون المستوى المطلوب؟، أم أنّها في نفوذ سلطة مديريتنا وللأسف الشديد خارج الخارطة؟! وعلى أيّة حال فهذا لا يشفع لها من التنصل عن المسؤولية الذي تحملته على عاتقها.. فهي الهيئة الوحيدة التي تمثلنا لإيصال رسالتنا المشروعة بكل بداهة منطق إلى سلطة المحافظة وقيادة المحور بأنَّ الطريق التي لم تفد أبناء العزلة بشيءٍ سوى الغبار والدخان ما جعل العزلة تعاني منها بل ويعاني منها الشعب اليمني من كل محافظاته الذي يعبر من خلالها، تلك العزلة التي أخرجتموها خارج حساباتكم في المشاريع التنموية منذ ثورة سبتمبر وحتى الآن، تلك العزلة التي أشك أنكم قد سمعتم بها سابقاً إلا كما نسمع عن بلاد "واق الواق"، ولا ترد عندكم إلا في دفاتر الجبايات والنهب والغنائم! هذه العزلة _ يا مسؤوليينا الأكارم_ تحتاج إلى إعانةٍ في تطوير القطاع الخدمي والتنموي شبه المنعدم فيها بشكلٍ عاجل يعود خيره إلى أبناء المنطقة وجميع المارين بها، وهذا الواجب يحتاج بدورِه إلى موقف صدقٍ وأمانة ومسؤولية.
تقول لهم قوموا بواجبكم تجاه ما تحملتم مسؤوليتهم ولو في بعض مشاريع التنمية، يجيبوك هذا على المنظمات، والمنظمات تريد مبالغ من المواطنين في وقت قد فعلوا أقصى استطاعتهم وهم في أحلك الظروف..
لا نريد منظمات ولا أعذار. واجبات الدولة تقوم بها الدولة على أكمل وجه فرضاً عليها لا فضلاً منها.. وليس من حقها أبداً أن تحلب بقرةً لم تطعمها ولو قشة زرع يابسة.
عشرات الملايين من الريالات _ ولكم أن تتخيلوا _  يتمّ جبايتها يوماً من طريق الأقروض بشكلٍ غير مشروع، بالإضافة إلى ملايين أخرى من "المقاوتة" المارين عبر طريق الأقروض! ملاييين بتتابعٍ يوميٍّ دون أيّ توقف منذ سنين! ريالات تلو الريالات، وبالبلدي "ريال ينطح ريال"! فين تروح مَلِه والمنطقة من بؤسِه تقولوا تابعة لجمهورية الكونغو الإفريقية؟!
اقنعونا بكذبة منمقة تكون أقرب إلى التصديق على الأقل! كذبة التحسين والنظافة هذه ليست ذريعة أبداً يا أغبياء في كل شيء إلا في اللهف! بل هي عذرٌ أقبح من ذنب.
قد لا يمكن للبعض تخيل مثل هذه الحقائق المرة لكن ليكفيهم شرف المحاولة على الأقل! ولا يحق لـ"أليس" الاستغراب في بلد العجائب.
ملايين _ يا أيها المسؤولون الذين ستقفون أمام الله تسألون عنها_  يا سلطة المحافظة ويا قيادة المحور ! "كيف اُكتُسبت إلى أين ذهبت وفيمَ أنفِقَت؟".
وهل تُكسب إلا ظلماً، وتذهبُ إلا إلى جيوبكم المطاطية وبطونكم المتخمة من لحوم البؤساء، وتُنفَق إلا في سبيل رفاهيتكم الأنانية بأبشع صورها، وهذا ما لا غبارَ عليه عند كل ذي عقل، فليسَ هناك سلطةٌ على الأرض غيركم حتى يمكن أن تنحرف الأنظار عنكم قليلا..
وبينما تحاصر مدينة تعز ولم يبق من متنفس لها سوى خط الأقروض، يمدها بالغذاء والهواء ينظر مسؤولونا إلى الأمر من زواية أخرى، زاوية الجبايات والإتاوات والضرائب والجمارك بأعين السلب والنهب، والذي لا تليق بهم كقادةٍ عاهدوا الله على خشيته، والمواطن على السهر من أجل راحته ومصلحته. وعلى الجانب الآخر ترى رجالاً للخير في المنطقة من المغتربين والتجار والمواطنين من خالص أموالهم وبأيديهم وعرق جبينهم، يواصلون حملتهم الإنسانية لشق طريق الخير "أبو رباح سابقاً"  من أجل التنفيس عن الضغط الواقع على خط الأقروض والتخفيف من معاناة المسافرين دون أيّ موقف إيجابي من السلطة المحلية لمحافظة تعز ولا من قادة المحور والذي إن أدعى أن ذلك ليست من اختصاصاته فإن أيضاً سلخ المواطنين خصوصاً بهذا الشكل ليس من اختصاصاته بل خيانة وتجاوز ونكث لما قد عاهد عليه..
فهل يمكن لهؤلاء المسؤولين أن يراجعوا حساباتهم ويؤدوا واجباتهم كما يجب عليهم؟ أم أنًه صارَ من الصعب عليهم أن يفيقوا من سكر تجرعهم هذه الأموال الضخمة التي تعد فرصة ذهبية نادرة لمن أراد أن يجعل من حياته الخاصة جنة على حساب جحيم الآخرين، كلنا نعلم أنهم استلذوا هذا فوجدوها كما يقال "حلوٌ رضاعها، مرٌ فطامها" فصاروا يتعاملون معها على أساس كونها مُستعمَرة ذهبية لتاجهم النحاسي؟! وليس ببعيدٍ أنهم أيضاً أكثر من يتمنى دوام اشتعال الحرب واستمرار حصار مدينة تعز كي يستمروا في تنمية عقاراتهم الخاصة وتوسيع مشاريعهم الضيقة إلى ما لا نهاية. ولا حدّ لجشع الفاسد! خصوصاً إذا كانت دجاجته تبيضُ الذهب.
لكن ذلك أمام وعي المواطنين ولن يدوم، فكما ثارت الهند ضد التاج البريطاني ليس بعيداً أن يثور رجال الأقروض ثورةً تجتثّ وتعصف بنقاط الجباية التي تذهب بعيداً إلى بؤرِ الثقب الأسود، وتُعيد تلك اليقظة الشعبية لأبناء الأقروض الشرفاء هيكلة الأمور إلى ما ينبغي لها أن تكون، رافضين أن يكونوا كما قال الشاعرُ ساخراً :
كالعِيسُ في الصحراءِ يقتلُها الضمأ .. والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ.