آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-04:17م

عناوين السياسات الاقتصادية

الجمعة - 29 يوليه 2022 - الساعة 10:07 م

د. يوسف سعيد احمد
بقلم: د. يوسف سعيد احمد
- ارشيف الكاتب


في البلدان النامية يمثل استقرار الاسعار الهدف الاسمى  للسياسة النقدية الذي يتقدم عن غيره من الاهداف .وعندما نقول استقرار الاسعار فاننا نعني بذلك  استقرار  اسعار المستهلك ؛ واسعار المعاملات التجارية والمالية والنقدية المختلفة داخل الاقتصاد.
ويتم ذلك من خلال السيطرة على  التضخم عند الحدود الامنة المقبولة اقتصاديا .
وفي البلدان المتقدمة  يجب ان لايزيد عجز الموازنة  العامة للدولة 
عن معدل 3% حيث يمثل هدف في هذه البلدان  ويجب ان لاتتجاوز نسبة التضخم  هذا المعدل او تكون اقل منه . اما في البلدان النامية فعدا  عن السيطرة على التضخم فإن ذلك  يشترط ايضا  استقرار سعر صرف العملة  الذي يوصف بابو الاسعار باعتبارة السعر  المؤثر على مختلف الفاعلين الاقتصادين في المجتمع . هذا الهدف اشار له ايضا قانون البنك المركزي اليمني وهو بذلك يمثل اولوية للسياسة النقدية.
قدرة السلطة النقدية على  توفير مثل هذه الشروط وفق هذه المعايير  او اقل منها في البلدان النامية  يشكل ضرورة اقتصادية واجتماعية ؛ لانه من خلالة  يمكن ضمان توفير  البيئة الاقتصادية الجاذبة للاستثمار والمحفزة للانشطة التجارية الاخرى وفي نفس الوقت الحفاض على  القوة الشرائية للعملة وبالتالي عدم الاضرار  بدخول السكان .
هناك فرق بين مفهوم  سياسة تخفيض سعر الصرف ومفهوم تدهور سعر  الصرف :
هناك تشوش ذهني كبير يحدث لدى الدارسين وبين غير الاختصاصين  عندما يتعلق الامر  بالتفريق بين هذين المفهومين:
-سياسة تخفيض سعر الصرف تجري في سياق شروط الاصلاحات الاقتصادية الذي تتبناه الدول التي تلجىء لطلب العون من صندوق النقد الدولي ويتم  وفقا لبرنامج ملزم تديرة مؤسستي صندوق النقد والبنك الدوليين وهو واحد من روشتت  هاتين المؤسستين  لادماج اقتصادات هذه الدول بالاقتصاد الراسمالي العالمي .ولذلك تقوم الدول وفقا لهذا البرنامج  بتخفيض سعر عملتها امام الدولار واعطاءها سعر واقعي مقبول اقتصاديا يعكس قيمتها الحقيقية.
في هذا السياق تشير  فلسفة صندوق النقد الدولي التي هي نتاج "لاجماع واشنطن" انه بالنسبة للبلدان التي تواجه عجزا في ميزان مدفوعاتها يتعين عليها تعويم عملتها ضمن اصلاحات مالية واقتصادية  اخرى تستهدف خفض الانفاق الحكومي ووقف الدعم ورفع سعر الفائدة  وخصخصة القطاع العام ..وتوصيها  في تعويم عملتها واتباع سياسة تخفيض سعر الصرف .بحيث تعطى العملة الوطتية قيمة واقعية .وتشير انه وفق  ذلك سيعمل تخفيض سعر الصرف على تضييق فجوة العجز في ميزات المدوفعات. حيث ان خفض سعر صرف الريال مثلا سيعمل من جهة على رفع اسعار السلع المستوردة وبالتالي  ارتفاع تكلفتها  بمايدفع الدولة الى  تخفيض حجمها وبالتالي تخفيض قيمة الواردات وفق ذلك هذا سيوفر موارد كبيرة للموازنة.
كما انه من جهة اخرى يؤدي تخفيض سعر الصرف  الى خفض اسعار الصادرات الوطنية  في الخارج ممايزيد من تنافسيتها في الخارج وبالتالي يدفع  بزيادة حجمها وقيمتها وفي المحصلة سترتفع عوائد الدولة الخارجية . كما ان تخفيض سعر صرف العملة الوطنية من جهة ثالثة وفقا لهذا الراي  سيزيد من تحويلات العاملين في الخارح ويجذب الاستثمار الخارجي حيث يترتب على تخفيض سعر الصرف ان   تنخفض قيمة الاصول المحلية مقومة بالعملة الوطنية وتصبح اكثر جاذبية  في عيون المستثمرين الاجانب. لكن بالنسبة لبلادنا التي طبقت الاصلاحات الاقتصادية بدءا منذ عام 1995 ادى تخفيض سعر صرف الريال الى ارتفاع تكلفة وقيمة الواردات بشكل اكبر . نظرا ان  هذه الواردات تمثل غذاء ودواء  لايمكن الاستغناء عنها وهي سلع قليلة المرونة  او منعدمة المرونة يصعب تعويضها او تخفيض كميتها.
 حدث ذلك لان  القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية في اليمن  قطاعات غير مرنة ولايمكنها الاستجابة وتعويض السلع الخارجية  التي قد يجري الاستغناء عن استيرادها وفقا لسياسة صندوق النقد .
كما ان الصادرات غير النفطية  محدودة جدا وبالتالي لم تتاثر  الصادرات السلعية على قلتها بشكل كبير من تخفيض سعر الصرف.
- لكن مفهوم تدهور سعر الصرف يختلف عن مفهوم تخفيض سعر الصرف  هو قطعا مفهوم آخر ويحدث  نتاج لغياب الاستقرار السياسي والاقتصادي اومحصلة للعجز الكبير في المؤشرات الاقتصادية الكلية او لكليهما وبالتالي  عدم قدرة السلطة النقدية للسيطرة على التخضم وسعر الصرف بمفردها دون روافد اخرى وسياسات اقتصادية كلية داعمة.
وفي هذا يمكن القول كخلاصة ان التركيز في السياسات الاقتصادية على السياسات المالية  كالسياسة النقدية وسياسة سعر الصرف كمايجري اليوم في بلادنا  لن يكون كافيا لان المعالجة الحقيقية تتم عبر ادوار وادوات جديدة للسياسات الاقتصادية التجارية والصناعية والمالية وعبر حشد الموارد العامة النفطية والغازية ورفع كفاءة تحصيل الموارد لضريبية والجمركية ووضع حدا للفاقد  وفي نفس الوقت تخفيض الانفاق العام  وإعادة تخصيصة عبر اجراء اصلاحات حقيقة في الانفاق الجاري وبالذات في رواتب الجيش والامن بحيث لايترك اي شبهة للفساد او الازدواج الوظيفي وهذه كله لن يتم ألا من خلال اجراء اصلاحات حقيقية مؤلمة ولكن في سياق مايسمح به الواقع..   وعبر ذلك كله فقط يمكن معالجة الاختلالات  الكبيرة في ميزان المدفوعات ومواجهة  العجز المتعاضم في الميزان التجاري  .

د. يوسف سعيد احمد