آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-10:07ص

جبل الذهب واليهودي وأهالي قريتنا.

الأحد - 24 يوليه 2022 - الساعة 03:15 م

منصور الصبيحي
بقلم: منصور الصبيحي
- ارشيف الكاتب


في يوم من أيام صيف يتخلله شمس كئيبة وريح تصر، يتناقل أهالي الحي خبر مفاده: بأن سيارة فارهة مجهولة المصدر تقف أسفل جبل يسمى الدبية ويبعد عن قريتنا مسافة بحوالي كيلو مترين إلى ثلاثة، ترافقهم سيارتين عليها عسكر ملابسهم تقرب من لون الملابس الخاص بقوات تحالف دعم الشرعية اليمنية، وزعموا بأن هذا يحوي منجم للذهب ويسألوا عن ملكيته لمن تعود؟.


وما هي إلا ساعات والخبر يصير حديث الناس، شيئًا فشيئ حتى عاد إلى الأذهان قصة اليهودي الذي أرتبط زُهاء ثلاثون عام بهذا المكان ومن طول مكوثه كل تلك المدة صار الجبل يكنى بأسمه ولا زال إلى يومنا هذا.

الخالة نعمة عمرها يناهز ما فوق المئة تزامن طفولتها مع وجوده فإلى جانب ما تتذكره هي ونقلًا أيضًا عن عمّها والد زوجها لتقول:  لم يعرف لهذا اليهودي أسم يدعى به سوأ ابو البقاء وهو لقب أطلقه الأهالي عليه نسبة لملازمته مكان واحد فقط، عاش مسالم لم يؤذي أحدًا، ودائمًا ما نراه يصعد لأعالي الجبل يجمع الحجارة ويعود بها إلى كوخه الذي أقامه بجانب كهف في الأسفل ليعمل على إحراقها ثم تحويلها إلى مسحوق ترابي ولا ندري ما يصنع به بعدها ..وما تمر فترة من الزمان إلا ويغادر إلى عدن فيعود محملًا بالحلوى الهندية ليوزّعها على الأطفال، ومستمرًا على هذا الحال إلى أن أتوا النصارى على سيارة مكشوفة وكبلوّه ثم أخذوه باتجاه عدن نفسها، فكان ذلك اليوم يومًا حزين لنا جميعًا، لقد رئيناه والدموع تغمر عينيه، حاول الكبار استعطاف العسكر بغية إخلاء سبيله ولكنهم رفضوا.

وقد بدت تلك حكاية قرابة قرن من الزمن يلفّها الغموض يتناقلها ويحفظها سكان القرية عن ظهر قلب، إلى أن شاع خبر الجبل والذهب، حتى عادوا مصدموين كأنهم أدركوا السر من وراء حكاية الرجل.

وليبرز اليوم من يحاول البقاء مستلهمًا طريقة ابو البقاء في البقاء ولا فرق بين كلا البقاوائين ما عدى بأن الأول أستمر بشكل فردي ينهب ما أستطاع نهبه ودون علم أصحاب الأرض، وهم مع هذا مستمرين يمنحوه خبز الذرة واللبن والسمن والحقين، والأخير كشف ما استطاع أن يتكتم عليه سلفه اليهودي طيلة تلك المدة من البقاء، وما لديه من الإسناد والدعم سيمكّنه أن يعمل على الملاء بكل أريحية، وليصب ريعه في خانة مجهولة وهو بهذا الأسلوب كأنه لا يعتبر ما يقوم به مخالف للأعراف وللقيم الوطنية والأخلاقية.