آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-11:11م

كم نحن بحاجة إلى أصدقاء حقيقيين يصمدون في زمن التقلبات والمصالح المادية

الخميس - 21 يوليه 2022 - الساعة 05:25 م

د. امين العلياني
بقلم: د. امين العلياني
- ارشيف الكاتب


قبل تشكل إدراكي وتجاربي كنت أميل لمصادقة كل ماهو غير بشري، أحكي أسراري لكائنات خيالية أو لقطط متشردة أو أشجار معمرة، لم يكن لي صديق في طفولتي البتة، كنت أتحدث مع نفسي حينما أحتاج الحديث أو للعصافير على شجرة السدر خلف منزلنا، أو لقطة جيراننا العجوزة، ومع ذلك كنت سعيداً وبسيطاً وعفوياً، اليوم والعمر يجري بي في دولاب الحياة أفتقدت لأولئك الأصدقاء الذين حفظوا الأسرار لتربيتهم الصادقة على همومي الصغيرة، أفتقدت إلى ألفتهم ودفئهم، أفتقد شعوري بالأشياء وشعورها بي.

أتذكر آخر ما صادقته كانت حقيبة جلدية سوداء في الثانوية العامة، كانت لاتفارقني أبدا أتذكر أنها حين تمزقت تماما لم أنم حزنا عليها.. كان الجميع يتسائل لم عليَُ حمل حقيبتي في وقت الراحة وحتى في حالة حضور الأعراس وجلسة المقيل في بيت أهلي وأعمامي وأخوالي وجيراني؟ 
لم يكن أحد  يشعر بحاجتي الشديدة للصداقة المخلصة في تلك الأيام، كنت حين أحمل حقيبتي على كتفي بحب واستمرار وهي محملة ببعض كتب اللغة العربية والرياضيات والتاريخ لميولي لتلك المواد،  كنت أشعر بالأمان الذي افتقدته منذ ذلك الزمن لليوم.

في الجامعة اكتشفت زيف الأصدقاء البشريين وخذلانهم، وسرت على الطريق حولي الجميع لكني لا أحس بهم، كنت أحتاج إلى الصداقة  بجد في تلك الأيام لكن ما كان يصدمني هو أنني ابن قرية ريفية أتصرف بعفوية وأتكلم - أحياناً - بلهجة ربما لا يفهمها أحد من زملائي، غير أن ذكائي الفطري، وقوة عزيمتي، وقدرتي على الكتابة الصحيحة، كانت تبهر أساتذتي وتثير من حفيظة زملاء دفعتي.  هكذا استمر بي الحال في كل حياتي العلمية متفوقاً من الابتدائية إلى الدكتوراه حتى نيل الألقاب العلمية، حتى وصلت لهذه المرحلة التي أعيشها الآن مع كوني دكتوراً أكاديمياً معروفاً في تخصصي وتميزي العلمي والقيادي.

وحينما يكون أحد أصدقائي في فترة دراستي الثانوية والجامعية لطيفاً أشكره، وأكون معه لطيفاً ووفياً حتى ولو كانت علاقته بي على مصلحة غير أني في نهاية الأمر لا أستطيع أن أمنحه أكثر من الإمتنان، والحفاظ على المسافة نفسها بيننا. فما بالك بأولئلك الأصدقاء في تلك الفترة من الدارسة وكانوا  لي أوفياء وهم قلة قليلة، وقد عاشرتهم وخبرت معدنهم، وعرفت مواقفهم  فأنا بعمق ما زلت محتفظاً  بصداقتهم، وأفديهم بكل ما أملك من دون تردد، ولا أنساهم بالوصل في مناسبة، ولا أقطعهم في زيارة، فتلك شيم تربيت عليها من أسرتي منذ نعومة أظافري.

حالياً.... كم نحن بحاجة إلى أصدقاء حقيقيين يصمدون في زمن التقلبات والمصالح المادية،  ولا تأخذهم المغريات، ولا تفرقهم السياسة، ولا تربطهم الفئوية، ولا يبخلون عليك بالنصيحة، يصمدون بالوفاء في مراحل الحياة كشجرة معمرة،  لا تتأثر بعوامل الطبيعة وتغيراتها المناخية، تستطيع أن تغامر بالجلوس تحت ظلها پأمان، وتنال من ثمارها المبارك حباً وعلماً وخبرة وأخلاقا ونصيحة،  فأي شيء غير مثمر من الصداقة مثل هذا، فالأفضل على الإنسان أن لا يحتك بالبشر كثيراً، فالعزلة هي الصداقة الآمنة.