آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-10:56م

الحرب في اليمن.. هل تتحول الى صراع الموارد ؟

الأربعاء - 20 يوليه 2022 - الساعة 09:06 م

د.حسين الملعسي
بقلم: د.حسين الملعسي
- ارشيف الكاتب


تعد اليمن أحد أقل الدول نموا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحتل مركزا متاخرا في مؤشرات التنمية الاقتصادية والإنسانية على مستوى العالم حيث أتت اليمن ثانيا على مستوى العالم في نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر حيث بلغت النسبة ٧٦.٩ ٪ في عام ٢٠١٦م ، وتشهد اليمن اليوم أكبر أزمة إنسانية وعملية إغاثة في العالم بسبب النزاع المسلح الحالي في البلاد ، ويحتاج حوالي ٢٠.٧ مليون إنسان أي ٦٦٪ من إجمالي عدد السكان إلى مساعدات إنسانية في الوقت الراهن.
وبالتالي فإن الأزمة الاقتصادية التراكمية والمركبة التي يعيشها اليمن اليوم تضع البلاد على حافة انهيار اقتصادي شامل بسبب الحرب الدائرة والصراع على الموارد إذ أدت إلى تراجع خطير للغاية في مؤشرات الاقتصاد الكلي .

فبعد سبع سنوات من الحرب الدائرة في اليمن بين السلطات المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين في شمال البلاد تشهد الحرب هدوءا نسبيا وفي ذات الوقت استعدادا كبيرا لحسم الحرب بالطلقات الأخيرة عن طريق حسم حرب الاستحواذ على الموارد الاقتصادية والمناطق الإستراتيجية المهمة في البلاد .

إن أهم الموارد الاقتصادية في البلاد هي موارد النفط والغاز ، ومن ثم فإن الاستيلاء على الموارد الاقتصادية هو الهدف الأول والأخير للنزاع الدائر في البلاد منذ أمد بعيد. 
وتشكل الموارد الطبيعية النفط والغاز أهم موارد البلاد المالية ، وبحسب المعلومات لفترة ما قبل الحرب أي في عام ٢٠١٤م كانت نسبة قيمة الصادرات من هذا القطاع ٩٠٪ من إجمالي قيمة الصادرات ، كما ساهم هذا القطاع بنسبة تتراوح بين ٣٠ - ٤٠ ٪ تقريبا في تكوين المنتوج الوطني الإجمالي ، كما شكلت الإيرادات النفطية لفترة ما قبل الحرب حوالي ٧٠٪ من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة ، وبشكل عام فإن قطاع النفط والغاز يعد أهم روافد البلاد من العملة الصعبة اللازمة لتغطية الاحتياطات الخارجية من النقد الأجنبي وتمويل الواردات السلعية وعاملا مهما لدعم استقرار سعر صرف العملة المحلية ، ويشكل هذا القطاع إلى جانب الموارد الطبيعية المعدنية كالذهب وغيرها موارد ذات أهمية إستراتيجية تدر أموالا طائلة للبلد الفقير.

وبسبب الحرب الدائرة فقد انخفض إنتاج وتصدير النفط والغاز بنسبة ٩٠٪ ، وبناء عليه انخفضت صادرات البلاد بنسبة ٧٥٪ للعام ٢٠١٤م وقد تسبب ذلك في الأزمة المالية العامة للدولة وذلك من خلال انخفاض الإنفاق على الخدمات العامة وأدى إلى غياب تقديم الحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية مع توقف الإنفاق الاستثماري.
ويرافق الصراع على الموارد الطبيعية صراع مواز على الموانئ وبخاصة موانئ تصدير النفط والغاز ، وهي ميناء راس عيسى الواقع تحت سيطرة الحوثيين في مدينة الحديدة الواقعة جنوب البحر الأحمر ومينائي الشحر وبلحاف في جنوب البلاد والواقعة تحت سيطرة السلطات المعترف بها دوليا.
وهناك صراع آخر ، وهو  الصراع المحتدم والمتمثل في سعي المتنافسين للاستيلاء على المطارات والجزر ، حيث تمتلك البلاد حوالي ١٢٨ جزيرة على طول سواحل البلاد البالغة حوالي ٢٠٠٠ كيلو متر ، كما يشمل الصراع بين المتحاربين صراعا قويا للاستيلاء على مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية .

كما أن الصراع مستميت على تقاسم الموارد المالية الشحيحة من مصادرها المختلفة مشروعة وغير مشروعة كالجمارك والضرائب وغيرها من الجبايات والرسوم بأنواعها قانونية وغير قانونية، والصراع يمتد للاستحواذ على الموارد المالية للمؤسسات الإيرادية المنتشرة على طول البلاد وعرضها كالاتصالات.

هذا ويلاحظ أن العمليات العسكرية قد هدأت نسبيا في الحدود المتاخمة للمناطق الغنية بالموارد الاقتصادية ، وكذا المناطق الجغرافية ذات الأهمية الإستراتيجية والحدود الدولية للبلد لحساسية هذه المناطق وأهميتها كمناطق تماس لمصالح أطراف محلية وأقليمية ودولية خاصة مصالح الشركات والدول الغربية.

إن مصدر القوة الحاسم للمتحاربين هو الاستيلاء على مناطق الثروات الطبيعية والمناطق الإستراتيجية وحدود الدولة ، ولخطورة الحرب على تلك المناطق نلاحظ توقف الحرب على بعد مسافات محدودة من تلك المناطق الغنية بالموارد أو ذات الأهمية الجيواستراتيجية لحساسية الحرب في تلك المناطق بسبب اهتمام الإقليم والعالم ببقائها تحت سيطرة الحكومة الشرعية خوفا من استغلال تلك الموارد لأهداف عدائية تضر بالأمن والسلم الإقليمي والدولي ومصالح الدول والشركات العاملة في البلاد.

ويلاحظ من خارطة تقاسم الأراضي بعد سبع سنوات من الحرب أن السلطة الشرعية تستولي وبدعم إقليمي من التحالف العربي على كل المناطق الغنية بالثروات المكتشفة ، وهي مأرب وشبوة وحضرموت وهي المناطق المنتجة للنفط والغاز التي تمتلك احتياطيات ضخمة ، وتلك المناطق هي مناطق تصدير النفط والغاز وبالتالي تشكل مصدرا مهما لاحتياجات البلد من موارد النقد الأجنبي ويسعى المنافسون الحوثيون للسلطة المعترف بها دوليا للاستيلاء على تلك المناطق بالحرب أو بغيرها من الأساليب المعروفة في البلاد وخاصة استخدام الرشاوي وشراء الذمم والذي يمتلك اليمنيون خبرة واسعة النطاق في هذا الأسلوب المتوارث أجيالا بعد أجيال.

ونفس الوضع ينطبق على المناطق الإستراتيجية في الدولة حيث تسيطر السلطات الشرعية وبدعم خارجي مباشر وغير مباشر على الموانئ (باستثناء ميناء الحديدة المحاصر نسبيا من قبل التحالف) وعلى السواحل المهمة وتسيطر على أهم المطارات وعلى الجزر المهمة مثل سقطرى ، وتسيطر أيضا على مضيف باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية في التجارة الدولية ، حيث تمر من خلاله حوالي 21000 سفينة تجارية سنويا ، ويمر خلاله النفط الخام يوميا بحوالي 4 مليون برميل.

إن سيطرة السلطات الشرعية على مناطق الثروات ومناطق التميز الإستراتيجية هو مصدر القوة الوحيد المتبقي في أيديها ولكن في ذات الوقت مع اقتراب المناهضين الحوثيين من تلك المناطق وخاصة في مأرب وشبوة فإن تبدلات محتملة في تقاسم النفوذ على الموارد وليس بالأمر المستحيل.
أما تقاسم بقية الموارد المالية بين المتحاربين على السلطة واضح جدا ، حيث تم الاستحواذ على الموارد السياسية للدولة بين المتحاربين الرئيسين وقوى أخرى مما أضعفت السلطة المعترف بها دوليا وقاد إلى مشاكل اقتصادية خطيرة مثل انهيار العملة ووقف العمل بالميزانية العامة للدولة ووقف المشاريع وتعطل الخدمات المختلفة وضعف دور الدولة الدستوري مثل الإيفاء بدفع الرواتب وتأمين الأمن وتقديم الدعم للسكان في مجالات الصحة والتعليم ، وصعوبة تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي لعامة السكان في المناطق المختلفة.
نعتقد أن الصراع سيكون قويا جدا في سبيل الاستيلاء على الموارد العامة للدولة في المستقبل القريب في حال عدم التوصل لوقف دائم للحرب وإحلال السلام وجلوس الخصوم على طاولة المباحثات للاتفاق على مستقبل البلاد وتوزيع عادل للثروات.

إن التوزيع العادل للثروات هو أشد مجالات الحرب والسلام صعوبة في مستقبل البلاد وسوف يأخذ وقتا وجهدا كبيرا لإحلال السلام والاتفاق على توزيع الثروة في البلاد مع مراعاة للأسس الجغرافية والتاريخية.

إن أكبر مجالات الاضطراب في المستقبل هو مجال استغلال واستخدام الثروات ، حيث تتوزع بشكل غير متناسب مع عدد السكان ، فالثروات توجد في مناطق فقيرة السكان وفي ذات الوقت فإن أكثر السكان ينتشرون في مناطق فقيرة من الموارد ، وهذه من الحظوظ السيئة التي لا تساعد على بناء مستقبل يسوده الأمن والسلام والعدل والتنمية المستدامة.