آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-04:02ص

اليمن .. لعنة المكان وجور الحسابات المجحفة

الأربعاء - 29 يونيو 2022 - الساعة 03:40 م

سعيد النخعي
بقلم: سعيد النخعي
- ارشيف الكاتب


ظلَّ موقع اليمن مهوى إفئدة الأطماع الاستعمارية،وقبلة لموجات الغزاة على مرِّ العصور والأزمان، فلم تستفد من الاتكاء على الماء، الذي يشرف على  أهم خطوط الملاحة الدولية،ولا من تقلبها على اليابسة التي تُعدُّ امتدادًا للطبيعة الجيولوجية لدول الخليج التي تحتوي على أكبر مخزونًا نفطيًا في العالم،لتظل في مرمى سهام حرب السباق على المنافذ، ومنابع الثروة .
حين أفل نجم الاستعمار، وطوى المستعمرون أعلامهم،اعادت القوى الاستعمارية تموضعها؛وفقًا لتفاهمات غير معلنة؛تقاسم  المنتصرون بموجبها مناطق النفوذ،بحسب ما أفرزته نتائج الحرب العالمية الثانية،فاتَّفق الشرق والغرب على بقاء ثروات اليمن قضية مؤجلة،رغم تغير السياسة الدولية،وتبادل دول الوصاية عليها،قبل الوحدة وبعدها .

خرجت بريطانيا من الجنوب في ذروة الحرب الباردة؛ لتُسلم مقاليد الحكم للجبهة القومية، ذات النزعة اليسارية المتطرفة، من خلال ايعازها للجيش الذي صنعته على عينها،بحسم الصراع لصالح الجبهة القومية على حساب خصمها جبهة التحرير التي كانت هي الأقرب لبريطانيا،لينتقل الجنوب بموجب هذا التحوِّل إلى الوصاية السوفيتية، في مفارقة عجيبة كيف يُسلِّم الخصم  تركته لخصمه؟ دون حرب أو ثمن ! للتفرَّغ بريطانيا لبناء مدن الملح، على رمال الصحراء العربية المجاورة، بأموال عائدات النفط،بعد ظهور الطفرة النفطية في بداية سبعينيات القرن الماضي، التي يتقاسم الغرب عائداتها مع حكام الأنظمة التي صنعتها الإمبراطورية العجوز ،وأحاطها الغرب برعايته، وحمايته،في حين تولى  الاتحاد السوفيتي كتم أنفاس الثروة النفطية،التي تجري في شرايين صحراء اليمن الجنوبي، الذي كان  خاضعًا للهيمنة السوفيتية المطلقة،التي بموجبها منح الروس أنفسهم- فقط- حق  الامتياز في استكشاف نفط الجنوب، واستخراجه،وهنا سؤال يطرح نفسه هل كان الروس عاجزين عن استخراجه؟ وجعلت القوى الدولية من شمال اليمن مكبًا لنفايات الشقيقة الكبرى،التي رعت،ومولت كل الصراعات السياسية ابتداءً بتدخلها المباشر إلى جانب الملكيين لاجهاض  الثورة، ومرورًا بمحاولاتها المستمرة  لزعزعة أنظمة الحكم المتعاقبة،وانتهاءً بتحويل اليمن إلى بيئة طاردة للاستثمار،وتعطيلها لكل اتفاقيات التنقيب عن النفط؛منذ أول اتفاقية بين الإمام والاتحاد السوفيتي، وانتهاءّ بمنعها  استخراج نفط الجوف في العهد الجمهوري .
دخل العالم في تسعينيات القرن الماضي مرحلة جديدة؛ليودِّع صراع القطبين،مع أول هزة ضربت أركان الكرملن، لتستفرد أمريكا وحدها بزعامة العالم،وفقًا للتوازنات الدولية عقب انتهاء الحرب الباردة،التي بدأت  بغزو العراق، ليتحول العالم  من سباق التسلح إلى سباق الوصول إلى حقول النفط .
نام الدوب الروسي، ولم يستقيظ إلا على شخير الأمريكيين من داخل مباني القواعد العسكرية،ومصانع الأسلحة التي أقامها الروس على الأراضي الأوكرانية إبان الاتحاد السوفيتي،ليقطع الدوب الروسي تثأوبه على وقع تساقط الأنظمة العربية، ليصدر أوامره للطيران الروسي بدك معاقل الجماعات المسلحة في سوريا، معلنًا  من جانب واحد عن مشاركته في الحرب على الإرهاب .
باهتزاز المنطقة العربية كانت اليمن هي البؤرة الأعنف لمعركة كسر العظم التي قذفت باليمن بين فكي الكماشة الأمريكية البريطانية التي يسمع اليمنيون صريف أضراسها من صدى الخلاف بين الرياض وأبوظبي طيلة ثمان سنوات من الحرب؛ نضجت خلالها جلود اليمنيين، ولم  تُنضج مصالحهما المسرحية السمجة، بفصولها الغريبة،ونتائجها المفاجئة،التي بدأت بسيطرة الحوثيين على صنعاء فجأة،وهروب هادي منها فجأة،لينفرط بعد ذلك سيل المفاجآت؛بمجرد أن تعفَّرت أقدام هادي بغبار أرض الحرمين جرَّاء الهزَّات المرتدة، التي تثيرها انفجارات الصواريخ التي يلفها اللون الأخضر؛كلما ارتطمت بالسيادة اليمنية؛ تنفيذًا للقرارات الدولية التي جعلت من اسم هادي عنوانًا  لمتن الشرعية اليمنية، قبل أن تقرر الرياض استبداله بمجلس رئاسي قارب عدد أعضائه قوام فريق كرة القدم، تساوى فيها تمثيل الرياض وأبوظبي بأربعة أعضاء عن كل دولة،لكنه خلا من تمثيل اليمن !


                 سعيد النخعي
              29/يونيو/2022م