خلال الأيام القليلة الماضية شهدت المعاشيق حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً ، شارك فيه المبعوث الأممي لليمن و عدد كبير من سفراء الدول الأجنبية ، و نتج عن ذلك الحراك إعلان تمديد الهدنة مع الحوثيين لمدة شهرين إضافيين ، كما أُعلن أيضاً عن موافقة سلطة المعاشيق على المبادرة الأممية الخاصة بإعادة توحيد العملة اليمنية و البدء بخطوات تفعيلها خلال الفترة القليلة القادمة ..
ما يلفت نظر أي مراقب و يلاحظه و مع عمل خط أحمر و قوسين لعبارة إعادة توحيد العملة هو إستنتاجه الذي لا يمكن الشك فيه بأن اليمن هو خلال السنوان كان الإنفصال بين الشمال و الجنوب هو الواقع الموجود على الأرض المصيبة ان الجنوبيين المطالبين بالإنفصال كالمجلس الإنتقالي الجنوبي و فصائل الحراك الجنوبي الأخرى لم تلاحظ ذلك أو أنهم تجاهلوه عمداً و تجاهلوا العمل كذلك بموجبه ..
لم تكن خطوة نقل البنك المركزي إلى عدن هي الخطوة الوحيدة التي أتاحها هادي للجنوبيين بل إن هناك خطوات أخرى لا تقل أهمية عن ذلك ، فهادي كان قد منع نفسه من التواجد في عدن لكي لا يكون عائقاً أمام أي خطوات قد يتخذها الجنوبيين المناديين بالإنفصال و مثل تلك الخطوات قد تسبب إحتكاكاً مباشراً بينه و بين من سيقومون بها على إعتبار انه رئيساً لليمن شماله و جنوبه ، كما أنه كان قد أتخذ خطوة مقابلة و مهمة ، فقد عزل القيادات الإنفصالية لكي تعمل بحرية دون الٱصطدام بقوانين الشراكة في الحكومة الشرعية الموحدة ، و كذلك من الخطوات الأخرى لهادي أنه سمح بتأسيس قوات جيش و أمن جنوبية و غض الطرف عن عملها و أهدافها ، و في مقابل ذلك لم يسمح بأي تواجد عسكرياً أو سياسياً أو إدارياً للشماليين في عدن و مناطق الجنوب الا ما كان رمزياً فقط و يحفظ كرامة حكومة الشرعية المشتركة ..
من ذلك يمكن الإعتبار أن هادي قد أسس مقومات دولة في الجنوب و بطريقة سياسية مخملية ناعمة و لكن لا أعلم أن كان الغباء هو سبب فشل أصحابنا في إستغلال تلك الفرص أو أن التبعية المطلقة للخارج و إجنداته هي السبب الحقيقي لتجاهل ذلك الواقع على الأرض و العمل عليه ، بل و قابلوا خطوات هادي بتركيز كل جهودهم و عملهم السياسي و العسكري و الإعلامي لمحاربة هادي و رفاقه الجنوبيين و خونوهم بالعمل مع المحتلين ، و حصروا كل إعمالهم لمحاربته و رفاقه الجنوبيين حين ربطوا مابينهم و جماعة الإخوان التي قدسوا الحرب ضدها ، و تناسوا أن هادي رئيساً على الكل و تعامله مع الكل ينطلق من ذلك ، كما تناسوا أيضاً ، أن حصر معركتهم مع جماعة الإخوان ليس السبيل الوحيد للإنفصال فالإخوان ليسوا هم الوحدة أو الوحدويين فقط فجميع قوى الشمال السياسية و العسكرية تتفق في هدفها العام بما ذلك حزب المؤتمر و جماعة الحوثيين ..
أُقصي الرئيس هادي و رفاقه الجنوبيين من السلطة و لم يتم أقصاء أياً من قوى الشمال السياسية أو العسكرية بل و تعزز وضعهم موقعهم ، و من كان يخون هادي خاصة و أبين عامة فقد أصبحوا شريكاً مع المحتلين الذين خونوا هادي بسببهم ، و من كان هادي يمنعهم من عدن باتوا حكاماً عليها و من قصرها الرئاسي ، و من حاصر قوات هادي الجنوبية في مثلث شقره سمح لقوات طارق عفاش الشمالية بالتمدد في الجنوب شرقاً و غربا ، و لا يزال إعادة الضبط جارياً لمحو كل خطوات هادي الإنفصالية ، فالعملة يجري العمل لإعادة توحيدها و مركزية إدارتها من صنعاء ، و جيش الجنوب الإفتراضي و قوات أمنه يجري العمل لتفكيكها و إعادة هيكلتها ، و من سلمهم هادي إدارة الجنوب يتم الآن إستبعادهم و فق وثيقة تنظيم العمل الذي يقود تنفيذها الهتار و رفاقه ، و بالمجمل فما كان قد تم في مايو 1990م يتم حالياً نسخه و تطبيق خطواته على الأرض مجدداً ، و لمثل مخمليات و نواعم خطوات هادي نحو الإنفصال يتم العمل على العودة رويداً رويداً إلى حضن صنعاء ..
لا أظن أن الوضع حالياً يسمح للمجلس الإنتقالي بأية مناورات جديدة و ما قد يراهن عليه لن يكون أكثر و لا اقوى مثلما كان بحوزته سابقاً و بسقوط هادي تم حشره في زاوية ضيقة يصعب عليه الخروج منها ..
سواء كان المجلس الإنتقالي الجنوبي ما زال على العهد باق بتحقيق الإنفصال و بفك إرتباط الجنوب عن الشمال كما كان يروج في خطابه و رسالته الإعلامية ، أو أنه على الدرب سائر إلى الباب فمن حق الشعب الجنوبي عليهم مصارحته كي يستعد و يتزود بمؤن الطريق ، و كذلك فمن حق هادي عليهم الإعتذار له و من حق أبين عليهم مصالحتها لا الإستمرار في إقصاءها و تهميشها ، و على الرغم من أن أبين لا تعير أدنى الإهتمام بخطوات تهميشها إلا أن المصالحة معها تعد واجبة عليهم و أي عمل سياسي قادم سيفشل مالم تكن أبين حاضرة فيه بقوة ، فأبين لديها من مقومات القيادة ما لا يحصى ، و هي عماد الوحدة أو الإنفصال .. هي بوابة الوحدة و لن تمر الإ عبرها و هي مفتاح الإنفصال أن تزعمت ذلك ..