آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-02:10ص

أسرار مخطوطات صنعاء وجدليتها

الأحد - 05 يونيو 2022 - الساعة 10:45 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


 نحن أمام معركة حقيقية علمية بل واكثر المعارك المعرفية شراسة في العالم مطلع هذا القرن ولها أبعادها غير العلمية؛ أمسى العالم كله يتحدث عنها إلا اليمانيين شغلتهم السياسة وأنفسهم والحرب!!!

     لماذا انتظر الألمان ما يزيد عن نصف قرن على اكتشاف المخطوطات ليقرروا نشرها مصورة وإتاحتها للباحثين وغيرهم؟ ما سر هذا الاهتمام المتزايد بها ؟ وهل حقا بعضها مكتوبة  بيد (علي بن أبي طالب ) الشريفة ليزداد رغبة الإيرانيين بالظفر بها ؟!! وكيف تناول  المستشرقون الجدد واحتفوا بها لإثبات فرضيات بداية الإسلام المفقودة؛ لينقلب السحر على السحر؟؟ وما حقيقة (طرس صنعاء)؟ ... قبل الخوض في هذا لنلق نظرة على السياق الأركلوجي لمخطوطات صنعاء

    تشير المراجع إلى بناء غرفة داخل الجامع الكبير أوائل القرن العاشر الميلادي( الرابع الهجري)، وتحديدا في الركن الشمالي الغربي مع فتحة صغيرة تكرم فيها النصوص القرآنية التي لم تعد تصلح للقراءة ولا يمكن لقدسيتها رميها للخارج؛ وهو تقليد معروف الى يومنا هذا!! يسمى هذا المكان ( الجنيزة ) وهو معروف لذا اليهود أيضا

  في عام 1965 تتعرض صنعاء لأمطار غزيرة يكاد جزء من سقف الجامع الكبير ينهار ويتسرب الماء الى ( الجنيزة ) فيسحب العمال ما استطاعوا من مخطوطات أودعوها مكتبة الأوقاف؛ تؤكد المصادر هنا أن بعض المخطوطات تمت سرقتها وبيعها وهذا يفسر انتشار بعض أوراق تلك المخطوطات في المتاحف والمجموعات الخاصة وآخرها متحف ( لوفر أبوظبي)

   في عام 1972 تقرر حكومة صنعاء القيام بترميم واسع للجامع الكبير مستعينة بفريق ايطالي من علماء الآثار بقيادة ( باولو كوستا ) من يعود له الفضل في الكشف عن جزء كبير من هذه المخطوطات مكتشفا مع فريقه في 1973 تحت سقف الجامع الكبير أعدادا هائلة وضخمة  منها المخطوطة الشهيرة ( طرس صنعاء) التي وقف العالم لها وأوقفته

  تتقدم الحكومة الألمانية بمشروع ممول لترميم المخطوطات وتصنيفها مستأذنين بتصويرها، استمر المشروع تسعة اعوام 1980- 1989 لكن الغريب أن هذا المشروع وصور الميكروفيلم  تم التحفظ عليه ولم يجد طريقه للنشر؛ وثمة ضغوط  من مراكز وجهات عديدة لنشرها حتى دون الموافقة من الحكومة اليمنية.

  لكن الاهتمام الكبير بطرس صنعاء لأهداف شتى جعلت عالم الآثار الفرنسي ( كريستان روبن ) يشد الرحال الى صنعاء ويقوم بتصوير المخطوطة المثيرة (طرس صنعاء) وتأسيس المركز الفرنسي للأبحاث في صنعاء وذلك ما بين عامي 2005- 2008

 والطرس هو رقعة جلدية أعيدت الكتابة عليها مرة واحدة أو مرات بعد أن تم محو الكتابة الأولى ، أي أنها إعادة تدوير( استعمال ) لعدة دوافع هي مجال بحث ودراسة، إذن نحن في الرقعة الواحدة أمام نصين: نص فوقي مثبت، ونص تحتي ممحو دفعت به الأشعة فوق البنفسجية للظهور وإثارة الجدل

  من الجدير ذكره ان ثمة عددا قليلا من الطروس  في أماكن محدودة في العالم لكن ( طرس صنعاء ) يكاد يكون  متفردا بعدة خصائص  تجعل له شهرة واسعة منقطعة النظير أولها انه من المخطوطات القرآنية والأهم أنه من القرن السابع الميلادي الأول الهجري أما النص الفوقي فمن المؤكد أنه كتب بعده بعقود؛ إذن نحن أمام دليل مادي ( كوديكولوجي) يدحض فرضيات المستشرقين الجدد عن بدايات الإسلام وكعبة البتراء، وادعائهم أن الإسلام نشأ في القرن التاسع الميلادي على يد العباسيين القادمين من خرسان وتحويرهم لعبادة الأمويين والقضاء عليهم من كانوا مسيحيين حسب زعمهم، فلما يأس (المستشرقون ) بدأوا بدراسة ( طرس صنعاء) نفسه أي متنه ومقابلة النصين ( التحتي ) ما تم محوه و(الفوقي) المطابق للنسخة الرسمية المعروفة (بمصحف عثمان) ومقارنتهما ليجدوا اختلافا بسيطا في شكل كتابة الكلمة أحيانا أو بالزيادة والنقصان نحن إذن أمام تدعيم مادي جديد للمرويات الإسلامية التي تحدثت عن تحريق عثمان للمصاحف ... وتوجيه للأمصار باعتماد نسخة رسمية خشية الفتنة

     حظي هذا الأمر بإجماع الصحابة حتى علي بن أبي طالب نفسه الذي أكد أنه لو ولي الأمر لفعل مثل عثمان لا أطيل عليكم إنما سندرس الموضوع في مقال بحثي آخر موسوم ب( التقاليد الشفهية والمكتوبة في مخطوطات صنعاء ) إنما أود هنا أن أنوه الى أهمية الموضوع داعيا الجهات الرسمية ذات العلاقة الى القيام بواجبها وعلى رأسها رئاسة الجمهورية والحكومة.  

مجيب الرحمن الوصابي

استاذ الأدب والحضارة بجامعة عدن والجامعة اللبنانية