آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:55م

الدولة في اليمن بين الإتحادية والانفصال

الثلاثاء - 31 مايو 2022 - الساعة 01:54 ص

د. عبدالله عوبل
بقلم: د. عبدالله عوبل
- ارشيف الكاتب


 

توطئة
تصل هذه الحرب وهي تدخل عامها الثامن إلى مرحلة يصعب السكوت على استمرارها. فإن تكلفتها البشرية والمادية بلغت حدودا تتطلب مننا كيمنيين وإقليم والمجتمع الدولي بذل أقصى جهد لوقف هذه الحرب الكارثية والتوجه إلى مفاوضات جادة لحل شامل وعادل، ويضع أسس دولة قوية قادرة على البقاء والأستمرار، وتقضي على كل عوامل الحروب والصراعات التي انهكت الشعب اليمني ومازالت سببا في تخلفه عن التنمية واللحاق بركب العالم الجديد.

أزمة الوحدة اليمنية بعد حرب 1994
-----------
أدت حرب 1994 إلى نتائج كارثية، فقد سمح للقوات الآتية من صنعاء بأجتياح عدن ومحافظات الجنوب، وخروج الطرف الجنوبي الشريك في الوحدة من السلطة ومغادرة قياداته إلى الخارج. ولو توقفت النتائج عند هذا الحد لكان ممكنا معالجة نتائج الحرب عن طريق مصالحة تعيد الطرف المهزوم أو أجراءات قانونية تعيد الأمور إلى نصابها وتضمن حقوق جميع مواطني الدولة بدون إقصاء أو تهميش. لكن نظام صالح والبطانات وكل قوى النفوذ سمحوا لأنفسهم بنهب مؤسسات الدولة واملاكها ومواردها في عدن والمحافظات الجنوبية وخصخصوا القطاع العام عن طريق تحويله إلى أملاك شخصية ونهبت الأراضي والمقرات والمعسكرات ومخازن السلاح وحتى البضائع التي كانت في الموانئ في عدن والمكلا. وأطلق  شعار " أذهبوا فأنتم الطلقاء" في إشارة إلى تكفير الجنوبيين وأستباحة دماؤهم وأموالهم، فقد شبه دخول القوات الى عدن بفتح مكة.. ولم تكن هذه الدعوة سوى ترخيص رسمي للنهب. ثم واصل النظام ومتنفذيه بتسريح قصري الجيش الجنوبي والوظائف المدنية حتى نشأت تسمية تعكس سخرية الناس " حزب خليك بالبيت". 
لم يكن نظام صالح المنتصر يدرك أن هذه الإجراءات التي لا تمت للعصر بصله، والتي تنتهك حقوق المواطنة وتمزق النسيج الاجتماعي وتنهي فكرة دولة الوحدة من جذورها. غلبة المنتصر في ثقافة القبيلة لا تضع بالا لحركة التاريخ والمزاج الاجتماعي العام الرافض الإقصاء و التهميش.

فكرة الإنفصال
---------
نشأت فكرة الإنفصال في سياق الحرب، بسبب المعاملة غير النظيفة للقيادات الجنوبية من قبل صالح ومتتفذي النظام في الشمال، لكنها لم تكن مقنعة للقيادات العسكرية والمجتمع، فلم يحارب القادة بجدية وسلمت المواقع العسكرية والأسلحة في معظم المناطق دون قتال عنيف.والسبب في ذلك أن المشكلة كانت على مستوى القيادات فقط، ومازال الشعور بالانتماء لليمن الكبير طاغيا في الجنوب الذي كان الأشد حماسا للوحدة. 
لكن الإجراءات المشينة التي تمت أثر الحرب والتي أستعادة همجية البداوة في عصور ما قبل الإسلام، والتي سببت شعورا عاما بالظلم إعادت إلى الجنوبيين شعار الإنفصال تحت مقولات منها "أستعادة الدولة الجنوبية" و "وفك الارتباط"، و"الاستقلال".
وبدأ جليا أن دولة الوحدة التي كانت أملا في التنمية والازدهار وارتفاع مستوى المعيشة والحفاظ على كرامة الإنسان كلها تتصدع على صخرة المواجهة الجنوبية عبر حركات سلمية أطلقت على نفسها "الحراك الجنوبي"، وحتى هذا الحراك بدأ حقوقيا، من خلال احتجاجات المتقاعدين من المدنيين والعسكريين، ولم يكن نظام صالح يدرك مدى تعمق الروح المقاومة لكل هذا الجيش من المسرحين قسرا من وظائفهم وتعامل معهم بعقلية الغلبة والتهميش. ولكن هذا الحراك أمام عنف القوى الأمنية المفرط سرعان ما تحول إلى مطالبة بالانفصال وعودة الدولة الجنوبية. وأصبح مطلب الإنفصال عقدة مستعصية على كل ما دونها من حلول. للأسف أدركت النخب والأحزاب السياسية حجم الكارثة التي ارتكبها نظام صالح ومؤيديه متأخرا وبعد فوات الأوان. 
تعمقت المشكلة الجنوبية أمام تعنت النظام وعدم إعترافه بها وصار الحل أكثر إستعصاءا بعد 2015 حينما اجتاح الحوثيون عدن بمساعدة قوات صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، وصارت المطالبة بعودة الأوضاع إلى ما قبل الوحدة يشكل مزاج جنوبيا عاما.

الخطأ الجنوبي المقابل
-------------
لكن الأسوأ كان أن التعبئة من قبل قيادات في الجنوب والحراك لم تكن موجهة ضد نظام صالح والمتنفذين معه, البعض بحسن نية أعتبر الوحدة هي المسؤولة عن كل الذي جرى للجنوببين، وهنا تصبح الوحدة وهي مفهوم مجرد غير مادي، يتم تحميلها خطايا النظام كله، ويعتبر هذا مريحا لنظام  صالح لانه يحمل الوحدة ويعفيه هو عن المسؤولية. لكن الأسوأ أن التحريض كان موجها ضد الشمال، واعتبار الشمال العدو والمحتل وغير ذلك من الأوصاف التي لم تدرس آثارها السلبية ونتائجها العكسية على القضية الجنوبية التي حظيت بتعاطف كبير من قبل النخب الشمالية قبل وبعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013.
هذا الخطأ وما تبعه من إجراءات ضد البسطاء من العاملين وأصحاب البسطات كان له تأثيرا سلبيا جدا. لايوجد شعب في الدنيا يعتبر الناس كلهم أعداء بما فيهم الفقراء والذين أيضا عانوا من الإقصاء والتهميش من النظام نفسه.. العداء للشعب في الشمال أضر كثيرا بالحراك الجنوبي والانتقالي، وهذا الأخطاء الاستراتيجي سوف يكون له ما بعده، إذ لم تكن الأغلبية الصامتة مع هذا النهج الغير أخلاقي ولا إنساني، لاحقا، أرتكب الأنتقالي أخطأ آستراتيجية هبطت معها فكرة  الإنفصال إلى ادنى درجة من التأييد الجنوبي.

الدولة الاتحادية من إقليمين
----------------------------
لسياق العام للفكرة الدولة الاتحادية.
---------------------
في كل المشكلات والحروب التي شهدتها الجمهورية اليمنية بعد الوحدة وحتى أثناء مفاوضات الوحدة كانت قضية الفيدرالية تطرح بديل للدولة المركزية.. وهذا يعني أن النخب السياسية اليمنية أدركت مبكرا أن المشاكل اليمنية والحروب الداخلية سببها الأساسي الدولة المركزية التي يتقوى فيها المركز على حسابالأطراف،
فقد نشأت فكرة الدولة الإتحادية مع بداية الوحدة، ولم يكن لها من التأصيل مايكفي لبلورة مشروع الدولة على أساس توزيع السلطة والثروة. وعندما تعمقت الأزمة بين شريكي الوحدة، طرحت فكرة الدولة الاتحادية كمشروع في وثيقة العهد والإتفاق عام 1994م. لكن الحرب الظالمة دمرت الفكرة ودمرت معها الوحدة، وأقصت الشريك الجنوبي وقبل أن تبرد فوهات المدافع قام نظام الرئيس صالح المنتصر في هذه الحرب ، بشطب ثلاثة أرباع الدستور وكلها مواد تتعلق بحقوق المواطنة، لصالح تعزيز سلطة الحكم الفردي المطلق، والدولة المركزية التي همشت الأطراف وأستأثرت بالموارد، بل وسرح الالاف من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين الجنوبيين في سابقة لم تحدث في التاريخ أن صار الجنوب كله مهمشا وغنيمة حرب.
لم تتوقف الأعتراضات والمظاهرات السلمية ضد هذا التهميش، ووجهت دعوات لإصلاح مسار الوحدة، لم يلق لها بالا نظام صالح، حتى أنفجر الحراك الجنوبي في 2007 من جمعية أبناء ردفان، وكان العنف الذي جوبه به الحراك الجنوبي كفيلا بأن يوقظ المنظمات الحقوقية الدولية ومنها منظمة حقوق الإنسان العالمية التي سجلت تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الحراك السلمي في العام التالي 2008م.
في أكتوبر 2011 انعقد مؤتمر القاهرة للحراك السلمي بحضور أكثر من 500 ممثل للحراك في المحافظات والمديريات بدعوة من الرئيس علي ناصر محمد، وتوصل المؤتمر إلى فكرة قيام دولة إتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي. ومازال الرئيس علي ناصر يؤمن بهذه الفكرة التي تضمن وحدة الجنوب والوحدة الوطنية 
وكان حزب التجمع الوحدوي اليمني في إجتماع الهيئة العليا للحزب أبريل 2012 قد اقر فكرة الدولة الاتحادية من إقليمين بحضور الشخصية الوطنية المفكر الدكتور أبوبكر السقاف. فيما تبنى الحزب الاشتراكي فكرة الإقليمين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل. 
لكن مؤتمر الحوار لم يصل إلى موقف موحد حول الأقاليم فأحال الأمر إلى رئيس الجمهورية الذي شكل لجنة برئاسته التي أقرت الستة الأقاليم.
بعد اندماج الدولتين وذوبانهما في دولة واحد، تبدو فكرة العودة إلى ماقبل مايو 1990 أمرا مستبعدا، الا في حال إن أراد مجلس الأمن ذلك وفقا لمصالح دوله، أن قرار إنشاء الدول وانفصالها أمر حصري لمجلس الأمن الدولي، وقد لاحظنا جميع بيانات مجلس الأمن كلها تشدد على وحدة وسيادة اليمن، ولم تستطع حتى دول الإقليم إبداء تأييدها رسميا رغم رغبة بعضها بذلك. وقد حاولت دول خليجية في حرب 1994 ولكنها لم تنجح في إقناع مجلس الأمن. كل الحشد الإعلامي الذي يلعب على مشاعر البسطاء لم يكن حقيقيا ولا مسنودا بموقف دولي داعم. 
لذلك فإن النصيحة التي نراها واقعية وتضمن وحدة الجنوب الممزق حاليا ووحدة الشمال في إطار دولة اتحادية من إقليمين. إن عدم توفر الموارد وضعف التنمية كان دائما هناك صراعات وحروب أهلية حول السلطة، فالسلطة هي مصدر الإثراء ولذلك يتطلب الأمر طريقة فاعلة وعادلة لتقسيم السلطة والثروة وأبعادها عن المركز، بحيث تصبح التنمية العادلة تتحقق بشكل متساوي في جميع المناطق والأقاليم. ذلك ما يحققه النظام الاتحادي الذي يسود أكثر من 90 دولة مستقرة وآمنة وبعيدة عن الصراعات على السلطة. إن دولة اتحادية قوية من إقليمين يضمن أن توزيع السلطات والثروات بصورة عادلة إلى كل الأحياء والقرى الفقيرة في ظل نظام ديمقراطي ينهي هيمنة المركز وقوى النفوذ.

والله الموفق
د. عبدالله عوبل
أ. عبدالقادر مهدي التفيلي
عدن 30 مايو 2022