آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:18م

بيئات طاردة للكفاءات ومدير سيء

الأربعاء - 25 مايو 2022 - الساعة 01:51 م

عبدالله الكثيري.
بقلم: عبدالله الكثيري.
- ارشيف الكاتب


عندما يأتي الحديث عن المدير السيكوباثي، فأول ما يقفـز إلى الذهن فـورا صورة الممثل المخضـرم كيفين سبيسي الذي لعب دور “ديفيد هاريكين” في الفيلم الشهيـر “مديرون بشعــون” (Horrible Bosses) الذي أُنتج في العام 2011 وحقق نجاحا تجاريا هائلا. الفيلم استعـرض في سياق درامي كوميدي مجموعة أنماط من المديرين الذين يمكن وصفهم بأريحية كاملة أنهم “أوغاد” يتحكّمون بالكامل في حياة الموظفين المساكين الذين يعملون تحت إمـرتهم.

بصدفة غريبة جمعتني بثلاثة شبان خلال الأيام الماضية، أعرف عنهم أنهم جميعهم تركوا وظائفهم في سن صغيرة، أي قبل التقاعد، وأخذوا قروضاً مالية بالإضافة لمكافآتهم المالية من وظائفهم وبدأوا أعمالاً خاصة، ومما أراه هم يمضون لتحقيق نجاح مبهر نظير جدهم واجتهادهم.

المفارقة أن الثلاثة يجمعهم قاسم واحد، وذلك حينما سألتهم كلا على حدة حين التقيتهم فرادى في بعض المناسبات، عن السبب الذي دفعهم للخروج من وظائفهم!

الغريب أن الإجابة كانت متشابهة تقريباً، وتتمثل بأن أجواء العمل كانت قاتلة للطموح، وأن السبب في ذلك يعود للمسؤول!

قال لي أحدهم: «صدقني، لا يوجد عمل سيء، لكن يوجد مدراء سيئون»، وهي جملة مأثورة سمعها في أحد المحاضرات عن الإدارة لكنه لا يتذكر قائلها، بيد أن الواقع يؤكدها، فالعمل بحسب وجهة نظره ليس سيئاً، بغض النظر عن نوعيته، سواء أكان عملاً في موقع صغير أو حتى كبير، فالعامل الرئيس يكون بطريقة إدارة المنظومة، وتحديداً بالمسؤول، فهذا الأخير هو الذي قد يجعلك تعمل بدافعية، ويحول لك موقع العمل إلى «جنة»، وهو أيضاً من يمكنه أن يحول موقع العمل إلى «جحيم»، ويوصلك لمرحلة تكره فيها حتى الاستيقاظ صباحاً والذهاب إلى عملك.

المنظومات الناجحة تقوم على القيادة الناجحة لها، القيادة التي تحاول أن تبحث عن قدرات جميع الموظفين، وتوظفها بشكل صحيح وسليم، بل تعمل على تعزيز هؤلاء الموظفين باعتبارهم هم رأس مال العمل وطاقته البشرية، وحينما يكونون في أفضل وضع، فإنهم يقدمون أفضل أداء.

بغض النظر عن الثلاثة الذين أشرت إليهم، والذي نجحوا في أعمالهم الخاصة، أعرف نوعيات من الشباب آثرت ترك مواقع عملها والبحث عن مواقع أخرى، وأعرف نوعيات آثرت حتى السفر والعمل في الخارج، والمؤسف أن العمل المشترك دائماً يظهر أن «المسؤول السيئ» كان أحد أبرز العوامل.

لماذا هناك مسؤول سيء، وآخر جيد؟! هذا سؤال هام ومحوري، لكنه يحتاج إلى تفصيل وإسهاب، لأن العملية تمثل ظاهرة بحد ذاتها، تناولتها أبحاث ودراسات إنسانية، وأثبتت بأن وراءها مسببات عديدة، أخطرها العقد الإنسانية المختلفة، والتي تحول الإنسان حينما يصل إلى موقع مسؤولية إلى «وحش إداري»، شغفه وهمه «تحطيم» الجميع، وتحويلهم إلى «جوقة تابعة» أو «حاشية مطبلة» بغض النظر عن الأداء والعمل والإنتاجية.

لكن المشكلة الأكبر اليوم، لو تم رصد مثل هذه النوعيات من المسؤولين، يمارسون هذا «الطغيان» في قطاعاتهم بما يحولها إلى «بيئات طاردة» للكفاءات والطاقات، فإننا نواجه كارثة خطيرة تتسبب بخسارتنا لأهم مواردنا، ألا وهي الطاقة البشرية المتمثلة بالكوادر المؤهلة أو الشابة التي يعول عليها الكثير في المستقبل.

إنجاز أي مسؤول اليوم لابد وأن ينعكس من خلال رضا الموظفين في قطاعه، لابد وأن يعززه اعتبارهم موقع العمل «وسطاً إيجابياً» يحبون التواجد فيه، لا بيئة طاردة قاتلة.