آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-11:21م

المقالح وسلطة الشعر

السبت - 28 مايو 2022 - الساعة 12:00 ص

فهمي غانم
بقلم: فهمي غانم
- ارشيف الكاتب



                     فهمي غانم

تبدو الصورةُ أكثر واقعية عندما ندرك أنّ عالمنا اليوم هو عالمٌ متعدد الأقطاب ثقافياً وأدبياً كما هو سياسياً وبالتالي أين وضعَ الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رجله من هذا الزخم الثقافي والادبي..؟
هذا سؤالٌ بطعم الإجابة ندرك معناه من حجم الإرث الإبداعي الملحوظ ومساهماته الثقافية
والشعرية وأدبياته وأبحاثه التي خطَّ بها التاريخَ بروح جسورة وبوعي اللحظةِ التاريخية الفارقة التي صنعت منه نجماً لامعاً في السموات والفضاءات المختلفة وبدأ كأنّه تقلّدَ سلطةَ الشعر وتُوجَ كقطب من أقطابها..فلو تتبعنا مشوارَ حياته مع الثقافة والأدب فالأمرُ لا يحتاج إلى كثير عناء كيف تبوأ المقالح كرسي السيادةِ الأدبية وكانَ واحداً ممنْ يُشارُ لهم بالبنان  لمكانته وريادته ونفاذه إلى العا…
[٥:٣٦ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] ⁦+967 733 754 823⁩: نشتمُّ من شعره رائحةَ صنعاءَ وأسواقِها العتيقة  ومبانيها ونوافذها الملّونة المطلّة على شوارعها المسكونة بالتاريخ ونرى رأيَ العين أنَّ القصيدةَ عنده تلّونتْ بلونِ العمارة الصنعاني الهيكلي وتشابكها مع حدود التاريخ..

لابدّ من صنعاء*
يوماً تغنّى في منافينا القدر
لابدّ من صنعاء 
وإن طالَ السفر
إنّا حملنا حزنها وجراحها
تحتَ الجفون 
فأورقتْ وزكا الثمر
هي لحنُ غربتنا 
ولونُ حديثنا
وصلاتنا
حينَ المسرةٍ والضجر

لاتُحدِث قصائد المقالح وكلُّ كتابته ما يمكن أنْ نسميه بالتدَاخلات والافتراضات الخيالية أو أيِّ نوعٍ من الانحرافات في التصاميم البنيوية للقصيدة إنّها بهذا الشكل تُعدُّ المعادلُ الموضوعي للواقع ولكن بصورة فنية وإبداعية ومهارة تدَخلتْ فيها عناصرُ الخلق والإبداع على نحوٍ غير مسبوق..

كلُّ عصرٍ يجئ*
وفي كفّه قطراتٌ من الدّم
وفي ثوبه وردةٌ
     تتوهج
تحفظُ للشمسِ
أ…
[٥:٣٦ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] ⁦+967 733 754 823⁩: 👆هاتان الفقرتان
[٥:٤٠ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] ⁦+967 733 754 823⁩: اوكيه؟!!
[٥:٤٠ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] fathibnlazrq: ياخي جيبه فقرة
[٥:٤١ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] ⁦+967 733 754 823⁩: طيب
[٦:٠١ م، ٢٠٢٢/٥/٢٨] ⁦+967 733 754 823⁩: (المقالح وسلطة الشعر)*                  
-----------------------------
                     فهمي غانم

تبدو الصورةُ أكثر واقعية عندما ندرك أنّ عالمنا اليوم هو عالمٌ متعدد الأقطاب ثقافياً وأدبياً كما هو سياسياً وبالتالي أين وضعَ الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رجله من هذا الزخم الثقافي والادبي..؟
هذا سؤالٌ بطعم الإجابة ندرك معناه من حجم الإرث الإبداعي الملحوظ ومساهماته الثقافية
والشعرية وأدبياته وأبحاثه التي خطَّ بها التاريخَ بروح جسورة وبوعي اللحظةِ التاريخية الفارقة التي صنعت منه نجماً لامعاً في السموات والفضاءات المختلفة وبدأ كأنّه تقلّدَ سلطةَ الشعر وتُوجَ كقطب من أقطابها..فلو تتبعنا مشوارَ حياته مع الثقافة والأدب فالأمرُ لا يحتاج إلى كثير عناء كيف تبوأ المقالح كرسي السيادةِ الأدبية وكانَ واحداً ممنْ يُشارُ لهم بالبنان  لمكانته وريادته ونفاذه إلى العالمية من البوابة اليمنية..
يرى المقالح أنّ مفتاح المسألة هو الإيمانُ بالتغيير كحتميةٍ تاريخية للدخول في مداراتِ الكون المختلفة وتفعيلِ القدرةِ الإيجابية لبلوغِ كلِّ مسارات الرؤية بعمليةِ هضمٍ صحيحة وواعية لكلِّ التفاعلات والمتغيرات وتشابكاتها في الخارطةِ الكونية وهذه خاصيةٌ في حياةِ الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح فهو من أشدّ المؤمنين بالتغيير وعدم السكونِ بالمكان والزمان حتى لا نتحول إلى هياكل خربةٍ أو مومياتِ محنّطةٍ في متحفِ الحياة..

هذا زمنُ التغيير*
إذا لم تتغيّرْ تتعفنْ
تتخطاكَ مواقيتُ الصحوة
لا تدري السرَّ الكامن
في أنّ الأرضَ تدور
وإنّكَ إنسان
من حقّكَ أن تحيا وتموت
بأمرِ الّله
وليس بأمرِ مليكٍ أو سلطان

التغييرُ هنا لا يعني بالضرورة العنف بل يعني أنّكَ لاتعيش هامشَ الحياة بل تتلبس قيمها الإنسانيةَ والأخلاقية بأهدافٍ قابلة للتحقّق وعدم المقايضة بها كما تعكس تكوينك الإنساني الذي لا يبحث عن فتاتِ الحضارة او العيش بأحلام عبثية أو تصبح سجيناً لثقافةٍ مقوّلبة تحجرُ عليك نسائمَ الحريةِ والحركة والفعل المؤطّر بالعطاء وقد تعلّمَ الشاعرُ الفذ الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح في قريته ومسقط رأسه (المقالح) بريفِ اب حروفَ التغيير الأولى وجعلته على علاقةٍ تفاعلية إنسانية متصلة بجهدٍ إبداعي عشقَ فيه التجديدَ ونفرَ من النمطية المقيّدة بسياج العادة والاستئناس بما هو ثابت فقط مما وسّعَ دائرة المشاهدةِ عنده..

لاتخفْ ياحبيبي من الموت جوعاً*
لديك من الكلمات الكثير
من الخبز
لكنّها امرأة في الطريق القديم
ستدخلُ مثل رصاصةٍ
من ماء عينيك
تخترقُ القلب أهدابها النائمات على الخد
ثم تغادرُ ضائعةً
في شرودِ المكان

الأديب الدكتور المقالح لاتستغرقه كثيراً تلك التنظيرات التي حامتْ حول أزمة ماعٌرف بالقصيدةِ الحديثة على الرّغم من أنّه انتصرَ لها لكنّه كان يؤمنُ أنّ هذا الأنحياز يرتبطُ بإيمانه أنّ القصيدةَ تنبعُ منْ صدقِ المعاناة ومنْ صدقِ التجربة لامداهنة فيها ولا استرخاء او ضمور في المشاعر الحقيقيةِ الرافعةِ لها ولهذا هو القائل..(مازلتُ أبحثُ عن قصيدةِ العمر) في إشارةٍ مختزلة بضرورةِ البحث عن مفهومٍ جديد للقصيدة يعيدُ لها هيبتها بعيداً عن أيّ تعريفات تثقلُ حركتها..

هل أخطأتُ طريقي*
حين أخترتُ الحرفَ
فضاءً وجناحا
أطلقُ قلبي في 
ملكوت الذكرى
أبحثُ في نفقٍ لاضؤَ به
عن برقٍ مسجونٍ يرسمُ
لليلٍ صباحا
هل أخطأتُ طريقي
فانسكبَ الحرفُ على دربي
شوكاً وجراحا

لايميل الدكتور عبد العزيز المقالح إلى التعبيرات المجازيةِ القلقة بل يعمل على عقلنتها وعدم جرها إلى متاهات العاطفةِ النزقة ويترك مساحاتٍ واسعةً من التخيّل عند القارئ وخاصة قصائد الحبِّ وينسجُ من شعره (جداريات غنائية) من الجمالِ والعشقِ والسفرِ ورواحِ النفس إنّه حالةٌ خاصة من المتعةِ المتجددة..

أنا من بلادِ القات*
مأساتي تضجُ بها الحقب
أنا من هناك قصيدة
تبكي وحرفٌ مغترب
غادرتُ سجنَ الأمس
ملتحفاً براكين الغضب
لاعطر لابترول
أحمله وليس معي ذهب
لكنني في الحبِّ
موصول العراقةِ والنسب

نشتمُّ من شعره رائحةَ صنعاءَ وأسواقِها العتيقة  ومبانيها ونوافذها الملّونة المطلّة على شوارعها المسكونة بالتاريخ ونرى رأيَ العين أنَّ القصيدةَ عنده تلّونتْ بلونِ العمارة الصنعاني الهيكلي وتشابكها مع حدود التاريخ..

لابدّ من صنعاء*
يوماً تغنّى في منافينا القدر
لابدّ من صنعاء 
وإن طالَ السفر
إنّا حملنا حزنها وجراحها
تحتَ الجفون 
فأورقتْ وزكا الثمر
هي لحنُ غربتنا 
ولونُ حديثنا
وصلاتنا
حينَ المسرةٍ والضجر

لاتُحدِث قصائد المقالح وكلُّ كتابته ما يمكن أنْ نسميه بالتدَاخلات والافتراضات الخيالية أو أيِّ نوعٍ من الانحرافات في التصاميم البنيوية للقصيدة إنّها بهذا الشكل تُعدُّ المعادلُ الموضوعي للواقع ولكن بصورة فنية وإبداعية ومهارة تدَخلتْ فيها عناصرُ الخلق والإبداع على نحوٍ غير مسبوق..

كلُّ عصرٍ يجئ*
وفي كفّه قطراتٌ من الدّم
وفي ثوبه وردةٌ
     تتوهج
تحفظُ للشمسِ
أشواقها للنّهار
تتناسلُ في عتماتٍ
من الزمنِ الطبقي
     شظايا
 تخلقُ عصراً
وتهدّمُ عصراً
وتطرحُ أسئلةً
تتشردُ عبرَ القرى
تجوسُ خلال 
الحواري العتيقة
-أوردة الفقراء النبيين-
في الشارعِ العام 
تركضُ باحثةً
  عن شهيد

كم تختزل هذه الكلمات كيمياء الحياة في تلك المتلازمات الحسية والرمزية لمفردات هذا الشاعر الأستاذ المتميز حقاً
وفي نصوصٍ أخرى تظهر عبقريته في أنّ البنيةَ النصية لاتتآكل بفعلِ الزمن بل تكتسبُ تماسكاً وتمنحها أفهاماً جديدةً تترسّخُ معها في الوعي الجمعي وهذا أحدُ أسباب إطلالات المقالح على العربية بل والعالمية ولأنّها أيضاً تتزامنُ مع مصفوفةِ السرد التاريخي والفني والإبداعي بدون ايِّ غلوٍ او تغوّل اوليٍّ لأذرعِ النصوص والكتابات الأدبية والأبحاث والمقاربات الفكرية..
من قصيدة (فوق ضريح عبد الناصر)..

هنا ينامُ متعباً*
من أتعبَ الأيامَ والفصول
من عبرتْ خيوله
فوقَ جبينِ الشمسِ والزمن
فما ونى ولاوهن
من أيقظَ العيون
......هنا
ينامُ متعبُ الجفون
بالأمسِ مرَّ في سمائنا
على جوادِ الفجرِ كالصباح
قال لنا:أنتم بشر
ياإخوتي هل تذكرونَ
حينَ مر
كيفَ بكى حزناً على
"بلقيس" و"بن ذي يزن"
ماتا ولم يضمهما قبرٌ
ولم يسترهما كفن

إنّه لايرصدْ تكويناتٍ ضبابيةً من التاريخ ولايستدعيه كي يبكيه أو الوقوف على أطلاله فالمقالح الثوري يستحضر هنا شخصية عبد الناصر ليحولها إلى أيقونةٍ للعزم  وزاد متجدد مازال يثير نفس تلك الاسئلة المتعلقة بالحرية التي لاتفارق الشعوب وإن غابت الرموز..
من ناحية اخرى فإن الباحث الجاد الدكتور المقالح قد أدار بنفسه محاكمةً أدبية للتاريخ وبأدلته الموضوعية كي تكونَ فيصلَ الحسم فالتاريخُ هنا مشحونٌ بالنفسِ المقاومة لتلك الفطريات التي أرادتْ طمسَ الهوية التاريخية وبسلاحِ الفعل الشعري وبسيفِ الحقِّ  وعلى نحوٍ موضوعي كاشفاً الحادثة التاريخية (الظاهرة)  بمنظارِ النقذ الموضوعي وغرباله ووفقاً لمعطياته وقد حافظَ الشاعر وهو يستدعي التاريخ على نحوٍ مغايرٍ لسلوكِ البعض حافظَ على عناصر الدّعم اللوجستي من الحُجّةِ والمنطق والأمانة العلمية والقناعة بما يمليه عليه الواجبُ الوطني وإستحقاته وقناعته المدعومة بحقائق التاريخ للحفاظِ على إستقامة النّص وعدم تعويمه أو تقديم  أيِّ نوعٍ من التنازلات أو خلق أيّ نوعٍ من التنابزِ  بالكلمات مع الآخرين لإفسادِ جوِّ القصيدة أو النص أو الكتابة الإبداعية فالظاهرةُ التاريخية عنده غير مسكونةٍ بزمنها بل تحتفظ بإمكانيةِ إستدعاءها للوقوفِ أمامها وإعادة تقييمها تقييماً منهجياً على ضؤ الحقائق والإثباتاتِ العلمية والنصوص والإكتشافاتِ الآثارية وقد خاضَ الأديبُ والمثقف والباحث الدكتور عبد العزيز المقالح تجربةَ الدفاع عنْ الموروثِ التاريخي والأدبي للشعرِ اليمني وامرؤ القيس بصفةٍ خاصة أمام إتهامات البعض وخاصه ما أورده الدكتور طه حسين عميدُ الادبِ العربي في كتابه (في الشعر الجاهلي) حيث أسقطَ الدكتور طه حسين مفاهيمه الخاصة وفقاً لنظريةِ الشك التي فلسفها الفرنسي ديكارت وحكمَ على أنَّ أغلبَ الشّعر اليمني في العصرِ الجاهلي منحول وهو هنا يلتقي مع المفكر أرنست ريمان بأنَّ العربيةَ لا طفولةَ لها فمثلُ هذه القراءات مبتسرةٌ وخارجة عن السياقِ العلمي الموضوعي..وقد كان المقالح وكوكبةٌ اُخرى من الباحثين العرب كشفوا سقطات مثل هذا الفهم العدمي وساقوا من الدلائل والنصوص والمخطوطات القديمة التي ظهرت قبلَ اكثرَ من خمسة عشر قرناً قبلَ الميلاد والتي تؤكّدُ ظهور اللهجة الحميرية القديمة وهي لغةُ أهل اليمن وعملَ هذا المخطوط على إنفراجٍ في الرؤية وعودةِ الأمورِ إلى نصابها مؤكدين أنّ هذا الإستبطاءَ الإدراكي للتاريخِ والشعر بصفةٍ خاصة في العصرِ الجاهلي هو نتيجةُ بعض المقارباتِ التاريخية والقرآءات الخاطئة التي أضعفَ الثقةَ بالنّص والمخطوط التاريخي ولم  تنضبطْ وفقاً لمفهومِ الأمانة العلمية فتركتْ فراغاً لظهور ثقافةٍ بديلة أرادتْ التخلص من أي تبعاتٍ أخلاقية ونشرتْ مفاهيمَ مغلوطةٍ للهروب من أيّ إستحقاقات علميةٍ وتاريخية مثبتة..
ويحقُّ لنا القول إذن إذا كانَ لصنعاء سبعةُ أبوابٍ فإنٍَ الاستاذَ الدكتور عبد العزيز المقالح هو بابها الثامن..